كلمات ربي وآياته في القرآن ال

“من المسكوت عنه في منهاج تدبر القرآن معاني الهدى في القرآن الكريم “

“بقلم الباحث محمد أحمد عبد الله”

(المدخل): جاء في بيان النبوة تسمية سورة الفاتحة: ( أمّ القرآن)و( أمّ الكتاب) فكانت تسميةً توفيقيةً لها دلالاتها: 

روى البخاري في كتاب ( التفسير)من صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم”.

وروى أبو داود في كتاب ( الوتر) من سننه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم:”الحمد لله ربّ العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني”.

وهذا يحملُ أهل العلم بكتاب الله – عز وجل – على أن يستبصروا ما جمعته هذه السورة ( أم القرآن) من معاني الهدى في سائر سور القرآن الكريم بحيث يضعون أيدينا على كل معنى من معاني ( أم القرآن) في سائر سور القرآن ؛ ليكون في هذا بيان لعظيم وثاقة الله علاقة كل سورة ،بل كل معنى من معاني سورة ( أم القرآن) أكثر حضوراً في القرآن وأيها أكثر تصريحا به وأيها أكثر دلالة عليه تلويحا ، ومقتضيات ذلك كله ،وليتجلى لنا منهاج القرآن في التصريف البياني للمعنى.

الله نزّل أحسن الحديث كتابًا مُّتشابهًا مَّثاني تقشعر منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ ( الزمر)

 ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكروا وما يزيدهم إلى نفورًا ( الإسراء)

ولقد صرفنا الناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر النّاس إلّا كفورًا ( الإسراء)

ولقد صرّفنا للنّاس في هذا القرآن من كل مثلٍ وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا

( الكهف)

ولنتبين ما بين السور من تنوع في منهجية التصريف ومستويات الدلالة جلاءً وخفاءً، قُربًا وبُعدّا احكامًا واحتمالًا وعلاقة ذلك بسياق القول فيها ، ومغزاها ( مقصودها الأعظم).

( التفصيل): يمكننا أن نجعل أصول المعنى القرآني المجملة في سورة ( أم القرآن) على النحو التالي: 

الحمد لله ، ربِّ العالمين ، الّرحمن ، الرّحيم ، مالك ، يوم الدين ، إيّاك نعبد ، وإيّاك نستعين ، اهدنا ، الصِّراط المستقيم ، صراط الّذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ، ولا الضالّين، كل أصل من الأصول المجملة في ( أم القرآن) له تفاصيله في سائر سور القرآن.

نمض إلى ما يتعلق بمعنى الحمد لله من الجمل والآيات والنُّجوم والمعاقد (الفصول) في كل سورة فنرجعه إليه ، ونبيّن مستوى التَّعلّقِ ونوعه وهكذا حتّى نفرغ من كل معنى في كل سورة.

نبدأ بسورة البقرة إلى آخر سورة الناس ثم نستقرئ المعاني المفضلة لكل أصلٍ في سورة أمّ القرآن ثم نعمدُ إلى أن نجمع كلاً من إلحاق كل معنى من معاني السور المفصلة لما في سورة ( أم القرآن).

وهكذا يكون لدينا بابان:

الباب الأول: استقراء علاقة معاني كل سورة بأصله ( أم القرآن) على نسق التلاوة.

والباب الآخر: استقراء علاقة المعنى الواحد بأصله في ( أم القرآن) على مستوى القرآن كله.

في الباب الأول يكون القصد إلى استقراء علاقات معاني كل سورة بأصله من أم القرآن على نسق التلاوة ونرصد ما حضر وما لم يحضر منها في السورة وما بينها من تفاوت في مستويات الحضور ، وفي مستويات الدلالة عليه.

فإذا فرغنا عُدنا ،فنسقنا القول في كلٍ سورةٍ ، لنتبين نسق معاني سورة ( أمّ القرآن) ومواقع بعضها من بعض في كل سورة ( أم القرآن) ، ولنرى أَرُتِّبَت في سورة البقرة مثلاً قريباً من تربيتها في أم الكتاب أم اختلف الترتيب، وما مقتضيات هذا التنوع ، وهكذا في سائر السّور ، ليتنبيّن لنا خصوصية كل سورة، ونجتهد في استبصار مقتضيات ذلك ،وعلاقة هذه المقتضيات بسياق القول في السورة ومقصودها الأعظم.

والباب الآخر: استقراء علاقات المعاني الواحد بأصله في أم القرآن على مستوى القرآن كله.فمن شاء أن يقرأ المعاني التي تنتمي إلى ( المالكية) مثلًا في القرآن كلّه أيّا كان نوع العلاقة ومستوى الدلالة عليه كان له ذلك.

فيوجههما إلى قوله:”ملك يوم الدين” فمن ملك هذا اليوم لا بدّ أن يكون إلهًا واحدًا لا ينازع، فتدخل تحته كلّ الجمل والآيات والنّجوم الدلالة على وحدانيته تعالى، وأن يكون عزيزًا وأن يكون محيطًا عامه بكلّ العالمين، وإن يكون عادلًا وأن يكون رحمان وأن يكون رحميًا وأن يكون قيومًا… وهكذا تتدرج كلّ آية تحمل شيئًا من هذه المعاني تحت قوله:” ملك يوم الدين”

وهذا يبين لك أنّ الآية الواحدة يمكن أن تربط بأكثر من أصلٍ من الأصول المكنوزة في سورة أّم القرآن على تنوع مستويات الارتباط وعلى تنوع الدلالة ومستوياتها …

وهذا يستوجب كثيرًا من المراجعة والمفاتشة والتّفرس والتّدّسس لإبصار العلاقات الخفية والبعيدة ،فإنّ من المعاني ما يكون الإعراب عنه من سبيل للدلالة بكل درجاتها ومنها ما يكون سبيل الإعراب عنه من سبيل الإفادة لا الدلالة ، ولعلماء أصول الفقه وعلم البلاغة وعٌي بالغٌ بذلك يستعان به في تحقيق ذلك.

من مثل هذا سيتبيّن لك أن كثيرًا من الآيات لها علاقة وثُقَى بكثيرٍ من أصول المعنى في أمّ الكتاب على تنوع مستويات التعلق وأنواعه.

ونحن إذا ما علمنا موقع معاني الهدى من سورة أمّ القرآن في أي سورة نحن بصدد تفقه معانيها كان ذلك أعون لنا على أن نعي طابع هذه السورة من حيث ما غلب عليها من المعاني ،وأثر ذلك في منهاج الإبانة والإعراب والإفهام ونسق المعاني وتناسلها وتلاحظها، فإن لكل سورة خصوصياتها، فالله عز وجل الّذي له الخلق والأمر ،لم يجعل اثنين في عالم الخلق متطابقين وإن كانا توءمين ، وفي عالم الأمر والقرآن الكريم منه ، لم تأت سورة من سور القرآن متطابقة مع سورة أخرى وفي مكوناتها وتكوينها، وبنائها النصّي. 

وهذا يستوجب على من يقوم بدراسة سورة من سور القرآن أن يستولد منهج دراستها منها وألا يستجلب لها منهاجًا استولد من سورة هي سابقها أو لحاقها ،فينزله على ذلك السورة ويخضع تأويله لها المنهج وهو المستولد من غيرها

وعلى هذا يكمن أن نقول: إن لدينا بعدد سور القرآن عدد مناهج مدارسة لبناء السّورة القرآن ومنهاج إبانتها وإعرابها وإفهامها.

وهذا من المسكوت عنه ومن الفريضة الغائبة،وهو حمل ثقيل لا يمكن لواحد مهما عظم جهده وامتد عمره ،وتكاثرت معارفه وتوقد ذهنه وإفتأد قلبه وانطلق لسانه أن يوفي سورةً واحدةً حقها من ذلك فهو عمل مؤسسي يقوم به أعيانٌ من أهل العلم ببيان القرآن ،ويبقى تحت المفاتشة والمراجعة والتنقيح والتكامل والتهذيب والتثقيف ما بقيت الحياة.

ومثل هذه الممارسة هي من ( المسكوت عنه) بل هو من الفريضة الغائبة التي يجب أن تتجه الدّراسات البلاغية للقرآن خاصة والدراسات القرآنية عامةً ،و أن ندع القول فيما كثر القول فيه إلى ما سكت عنه أو أقل القول فيه وكذلك تكون الأعمال الجِسَام .

الأحد ١٧ مارس ٢٠٢٤، ٧ رمضان ١٤٤٥ 

ذات صلة: استقبال شهر رمضان المبارك.. بقلم الباحث /محمد أحمد عبدالله

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك