أهمية الطهارة والنظافة في الإسلام
بقلم الباحث / محمد أحمد عبد الله
الثلاثاء 26 مارس 2024, 16 رمضان 1445

الحمد لله أجل معبود وأكرم مقصود، سبحانه رب العطاء والكرم والجود، نحمده على أن جعلنا من أهل الإسلام والإيمان، وأكرمنا بشِرعة الهدى ونور القرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، شهادة عبد طامع في عفو مولاه، وآمل في محبته ورضاه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير الهداة الصادقين وقدوة المتقين بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن من أهم سمات ديننا العظيم اهتمامه بالتطهر والنظافة والتطيب والسمت الكريم، وما حَفَلَ دين سماوي أو نظام بشري كما اهتمت شريعة الإسلام بأمر النظافة والتطهر وأخذ الزينة؛ ترغيبًا في التنظف الدائم على جهة الآدمية والفطرة السليمة التي تأرِزُ بصاحبها إلى التجمل والتزين.

وقد حرص الإسلام على بناء الشخصية المسلمة على النظافة والطهارة وبالغ في ذلك؛ حيث اشتملت أحكام الطهارة على تفاصيلَ هامة في تتبع الحياة الشخصية للفرد والمجتمع، ومع ذلك فمن أهم ما يميز شعائرنا في باب النظافة أنها مبنية على أساس ديني بين المثوبة أو العقاب.

التنظف والتجمل للعبادة:

لقد أفاضت كتب الفقه ببيان أحكام التطهر والوضوء وما يسبقه، ويكفينا في باب الإغراء لهذا الطهر أن اسمه “الوضوء” من الوضاءة والحسن، وأن ما يسبقه من التنظف دليل على النجاة من الخبث والنجس واسمه “استنجاء”، وأن الفقهاء تجشموا عناء البحث والتنقيب في الآثار، ودبجوا المباحث العظام في شأن “الطهارة” وحدها، فهذا عنوان النظافة في حضارتنا الإسلامية: طهارة ووضوء ونجاة.

كما اهتمت الأسفار أيضًا ببيان أحكام المياه، والدبغ والسواك، والغسل الواجب والمسنون، والمسح على الخفين والجبيرة والتيمم، كما اختصت المرأة المسلمة ببيان أحكام ما يعرض لها من الدماء.

وفي مجال العبادة فهناك فروض هامة وسننٌ فيما يسبقها من طهارة، وهناك محاذير وضوابط في أمر بقاء هذه الطهارة واعتبارها باقيةً أو لاغيةً، وذلك أمر مُشتهَرٌ قد اختصت به أحكام الفقه الإسلامي دون سواه في العالمين، وقد حكى التاريخ عن أوروبا وهي تموج في عصور الظلام أن مساكنهم كانت خاويةً من أماكن للتنظف كدورات المياه حتى أتاها المسلمون، وكان البيت المسلم في هذه البلاد يميزونه بأن فيه “كنيفًا” دون غيره مما يجاروه.

وقد اهتم الإسلام بأمر الدخول في المساجد كأنه حدث عظيم؛ لأنه مشهود من الله وملائكته؛ ولذا فإن له مراسيم هامة؛ من أشهرها اتخاذ الزينة بعد التطهر من الحدث والخبث والنجس، وقد جاء التعبير القرآني دقيقًا بإفادة التزين للمساجد لمجرد الاقتراب منها؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، وأوقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قبول الصلاة على هذه الطهارة، فلو لم يتطهر العبد فلا تجوز له الصلاة؛ فعن أسامة بن عمير الهذلي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُقبَل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غُلُول))، وعن الطهارة قال الفقهاء: هي فعل ما تستباح به الصلاة.

وقد فصَّل القرآن الكريم في بعض آياته في أمر الطهارة والوضاءة؛ فقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6].

وعند تلاوة القرآن يكون التطهر والخلوُّ مما يبطل هذه الطهارة والمبالغة في التنظف، فيستحب السواك والجلوس في الأماكن الطاهرة، واستقبال القبلة، مع استصحاب الإجلال لصحبة كتاب الله المتعالِ؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 77 – 79].

ورغم أن الدماء التي تصيب النساء في أزمنة محددة تُعيقهن عن الصلاة وحمل المصاحف والطواف وغيرها، إلا أن حضورهن في صلاة العيد مستحبٌّ، ولو أصابهن ما يغشاهن من الدماء؛ فعن السيدة أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: ((أُمرِنا أن نخرج فنُخرِج الحُيَّضَ، والعواتق، وذوات الخدور – قال ابن عون: أو العواتق ذوات الخدور – فأما الحُيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزلن مصلاهم))؛ [صحيح البخاري (981)].

ومن بيان عناية الإسلام بالنظافة والتطهر، فقد فصَّلت الأحاديث أيضًا الكلام عن طريقة الغسل عند النساء، وأفاض العلماء كذلك في بيان أحكام الطهارة فيما يخص خصال الفطرة كما ورد في الأحاديث الشريفة؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء؛ يعني: الاستنجاء، قال زكريا: قال مصعب: ونسيتُ العاشرة إلا أن تكون المضمضة))؛ [صحيح ابن ماجه (241)، وقال: حديث حسن].

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك