كلمات ربي وآياته في القرآن ال

“خروج المرأة للصلاة في المسجد وضوابطه في ضوء الشرعية” 

بقلم الباحث / محمد أحمد عبد الله

 

بالنظر في نصوص السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام نجد أنه وردت عدة أحاديث صحيحة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على:” أن خروج النساء للمساجد مباح لهن”، ولكن على شروط:

١- أن لا تخرج المرأة متطبية بطيب له رائحة نفاذة.

عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسّ طيبًا” أي إذا أردات حضور المسجد؛ إذ لا يمكن حمل الحديث على ظاهره، فالمراد بشهود صلاة العشاء في الحديث: إرادة شهودها من باب التعبير المجازي كما هو معروف عند البلاغيين.

والطيب نوعان: نوع مطهر يقتل الجراثيم والروائح الكدرة، وهذا لا حرج فيه كمزيل العرق الذي ليس له رائحة نفاذة.ونوع نفاذ الرائحة لافت للأنظار والمشاعر ،وهذا مرفوض.

وعن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:” إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة”معناه: إذا أرادت إحداكن حضور صلاة العشاء فلا تضع طيبًا نافذ الرائحة. أما من شهدتها ثم عادت إلى بيتها فلا تُمنع من التطيب بعد ذلك.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة”.

وهذا يدل على:”نهي النبي صلى الله عليه وسلم للنساء عن الخروج إلى المساجد إذا تطيَبن أو تبخرن لأجل فتنة الرجال بطيب ريحهن وتحريك قلوبهم وشواتهم بذلك ،وذلك لغير المساجد أخرى”. ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات” أي غير غير متطيبات 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه: لقيته امرأة وجد منها ريح الطيب ينفح إعصار، ولذيلها إعصار ، فقال: يا أم الجبار ، جئت من المسجد ؟ قالت: نعم ، قال : فإني سمعت حِبّي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:”لا تقبل صلاة لأمرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة ” وهذا محمول على الطيب الذي له رائحة نفاذة بدلالة كلمة (ينفح)

٢_ أن لا تكون المرأة متبرجة متزينة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات في مروطهن ،ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد “

وعن عائشة رضي الله عنها قالت:” لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساءُ لمنعهنَ المسجد كما مُنعَت نساءُ بني إسرائيل “.

يعني لو رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء من الزينة والطيب وحُسن الثياب بما يلفت النظر.

“وفي معنى الطيب ظهور الزينة وحسن الثياب وصوت الخلاخيل والحلي وكل ذلك يجب منع النساء منه إذا خرجن بحيث يراهن الرجال “.

وكذا : ويلحق بالطيب ما في معناه ؛ لأنَ سبب المنع ما فيه من تحريك داعية الشهوة ؛ كحسن الملبس والحلى الذي يظهر والزينة الفاخرة والاختلاط بالرجال “

وبهذا نؤكد: أن الذهاب إلى المسجد ذهابًا إلى معرض أزياء ، أو مسابقة جمال إنه خطوات لإرضاء الله ونشدان الآخرة وقمع الشيطان ولزوم التقوى.

٣- ألا يكون في طريق المسجد ما يخاف منه مفسدة ونحوها.

قال الشيخ محمد الغزالي: وبدايةٌ أن على المجتمع تأمين الطريق من كل شائبة وجعل العبادة منزهة من كل ريبة “

٤- ألا يترتب على خروج المرأة للصلاة في المسجد إهمالُ البيت وتعطيل مصالح الزوج والأولاد.

قال الشيخ العلامة محمد الغزالي:” النساء والرجال سواء في الارتباط بالمسجد والتعرض لرحمات الله غدوًا ورواحًا ليلًا ونهارًا… بيد أن هناك فرقًا لا مانع من شرحه ، أن العمل الأول للمرأة في بيتها وهي أمام الله راعتيه ومسئولة عنه. وهو فرضٌ في عنقها ، أما الجماعة فهي سنة ،ولا يجوز تحت مظلة هذه السنة إهمال البيت وتعطيل مصالح الزوج والأولاد ،ومن ثم قدم الشارع رعاية الأسرة على شعيرة الجماعة ، فإذا أدت المرأة واجبها لزوجها وأولادها ، فمن حقها أداء الصلاة في جماعة والحرص على الثواب ولا يجوز لرب البيت أن يمنعها بعد ما وفت حقها ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تمنعوا إماء الله مساجد الله” ،ولا ريب أن تخلفها عن المسجد لمسئوليات البيت يجعلها أمام الله اهلًا لثواب الجماعة وإن لم تحضرها ،فعذرها المقدور يعطيها ثواب الحضور “

٥- تخصيص باب للمسجد يلجن منه المسجد ويخرجن لا يزاحمن أحد من الرجال ،وقد ورد أن عمر بن الخطاب كان ينهي أن يُدخَل من باب النساء.

روى الإمام أبو داود عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لو تركنا هذا الباب للنساء “.

قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات”.

٦-أن تلتزم المرأة بالأداب داخل المسجد. فلا تتقدم إلى الأمام لترى الرجال أو ليراها الرجال ، كما يحرم المسلك نفسه على الرجال  

 وقد تكاثرت الأحاديث في هذا المعنى ومنها حديث:”خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها” والمراد من الحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال:خير صفوفهن أولها وشرها آخرها.

فإذا توافرت الشروط وطلبت المرأة من زوجها الخروج للصلاة في المسجد فلا يمنعها وقد استفاضت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ومن هذه الأحاديث ما يلي: الحديث الأول:قال صلى الله عليه وسلم:” إذا استأذنت أحدَكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنعها”

الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” لا تمنعوا نسائكم المساجد إذا استأذنكم إليها”قال:فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن قال: فأقبل عليه عبدالله فسبه سبًا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن 

الحديث الثالث: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”لا تمنعوا إماء الله مساجد الله”.

الحديث الرابع: عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” إذا استأذنكم نساؤكم إلى المسجد فأذنوا لهن “

الحديث الخامس: عن ابن عمر قال: كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تمنعوا إماء الله مساجد الله “

والدارسُ للسنة المطهرة في منابعها الأصيلة يرى المرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وعلى عهد خلفائه الراشدين لم تحرم نصيبها من المسجد، ولم تُمنع من شهود الجماعة ،والاستماع إلى المواعظ والتذكير والإرشاد. بل لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهن مزيدًا من عنايته ، فربما وجه إليهن موعظة خاصة بعد انتهائه من الموعظة العامة ، نظرًا لأنهن في آخر الصفوف؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال ، فظن أنه لم يُسْمِع، فوعظهن وأمرهن بالصدقة ، فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم ، وبلال بأخذ في طرف ثوبه “.

وإنهن ليزددن رغبة في هذه المواعظ ويكرهن التخلف عن الرجال في هذا المضمار ، فيطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصهن بيومٍ يتحدث إليهن فيه ، نظرًا لقلة اجتماعهن به.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:” قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يومًا من نفسك فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن:” ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار ،فقالت امرأة: واثنين فقال: واثنتين”.

وفي شهودها الجمعة خرج الإمام مسلم بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن أخت لعمرة قالت: أخذت ” ق والقرآن المجيد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر فى كل جمعة”

كما أخرج عن أم هشام بنت حارثه بن النعمان قالت:” ما أخذت”ق والقرآن المجيد ” إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس” 

وهكذا كانت المرأة على عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه تحضر الجمعة والجماعة ومشاهد الخير وترجع إلى بيتها قريرة العين راضية النفس عامرة القلب بالإيمان والتقى فتحسن القيام بأمر بيتها والتبعل لزوجها وتربية أبنائها وقد علمت من أمر دينها ما علم الرجال فكانت عونه وساعده.

بيد أن ذلك لم يفرض عليها لزامًا ؛ نظرًا لما يستغرق المرأة أحيانًا من عمل بيتها ورعاية أبنائها حتى لا تجد متسعًا من وقتها للتردد على المسجد في كل الصلوات ، ولما ينالها كذلك من الحيض والنفاس وهي لا تباشر الصلاة أثناءهما ولا تمكث في المسجد فيسر الله لهن الأمر ووكله إلى مشيئتهن غير أنه طلب ذلك طلبًا أكيدًا في صلاة العيدين وأمر النساء أن يخرجن قاطبة يشهدن الخير ودعوة المسلمين ، حتى من لم تباشر الصلاة منهن لمانع شرعي تشترك في التهليل والتكبير ، وتسمع الوعظ والتذكير وتتفقه في الدين.

عن جابر بن عبد الله قال: “قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال ، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة”

وعن أم عطية وعن حفصة: أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور ويتعزلن الحيض المصلى”

وسألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أعلى إحدنا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ فقال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين “

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بُعث إلى الناس كافةً رجالًا ونساءً بل إنسًا وجنًا لم يقبل أن تتخلف المرأة عن هذا اليوم المشهود وتجلس في بيتها ولو لم يكن لها ثوب يناسب الجماعة أو كانت لا تباشر الصلاة بل عليها الحضور تجدد إيمانها وتقوى يقينها وتفقه دينها وتعرف واجباتها وتبتهج كذلك بهذا العيد كما يبتهج الرجال ، بما يعود عليها بالخير في روحها ودينها وجسمها. كذلك شهدت المرأة المشاهد الأخرى الجامعة كصلاة الاستسقاء وكسوف الشمس.

أما إذا لم تتوافر الشروط السابقة في خروج المرأة إلى المسجد للصلاة فصلتها في بيتها أفضل ، وعلى هذا يحمل ما ورد في طرق حديث ابن عمر: لا تمنعوا نسائكم المساجد وبيوتهن خير لهن “وبهذا يتم التوفيق بين الأحاديث الواردة في قضية خروج المرأة إلى المسجد للصلاة .

واخيرًا أن منع المسلمات من المساجد) مطلقًا ) بدعة سيئة وبلاء نُكب المجتمع الإسلامي به فأورثه الجهل وسوء التربية وشرور التقاليد ولا شفاء إلا بالعودة إلى سيرة رسول اللّه الكريم وصحبه الأولين

وهذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأربعاء ٢٠مارس ٢٠٢٤، ١١رمضان ١٤٤٥

ذات صلة: استقبال شهر رمضان المبارك.. بقلم الباحث /محمد أحمد عبدالله

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك