“تأملات متمعنة في سر انتصار المسلمين في معركة بدر وهم قلة”

بقلم الباحث/ محمد أحمد عبد الله 

الخميس ٢٨مارس 2024، 18 رمضان 1445

تمر بنا في السابع عشر من شهر رمضان المبارك من كل عام، ذكرى غزوة بدر الكبرى، التي نعتها القران الكريم ب(يوم الفرقان)، حيث رفرفت في هذا اليوم راية الإسلام, وانتصر التوحيد على الشرك، وهزم الحق الباطل في هذه المعركة الفاصلة، التي كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ الإسلام، والمسلمين على حد سواء.

واذا كان الكثير من الكتاب، والمفكرين، والدعاة قد اعتادوا في الحديث في ذكراها على مجرد السرد الآلي لقصة هذه المعركة الفاصلة، دون الغوص في عمق أحداثها للوقوف على لغز انتصار المسلمين، وهم قلة يوم ذاك، بحيث أن حسابات القتال العسكرية الفنية المجردة، لا تؤهلهم لكسب معركة بهذا الحجم، بكل المعايير المعتمدة في التقييم.

 

 

وعلى ذلك فإنه ينبغي تناول أبعاد هذه المعركة بأساليب تعاطي غير تقليدية، بقصد التمكن من استخلاص الدروس، والعبر، من هذه المعركة، والإفادة منها في علاج إشكالات واقع حال المسلمين المتردي، الذي لا بد لهم من التخلص منه، ومغادرته إلى واقع مستهدف أفضل. لذلك فالسؤال المطروح الآن هو كيف انتصر المسلمون إذن في غزوة بدر وهم قلة؟ وما هو السر الذي جعل من هذه الغزوة منطلقا لسلسلة الانتصارات الإسلامية اللاحقة في تاريخ المسلمين؟

والمتأمل في تدبر تلك الأسباب يجد الإجابة عن كل هذه التساؤلات واضحة في قول الله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، حيث الاستغاثة المؤمنة كانت هي السر الكامن وراء ذلك النصر المؤزر، الذي كان خارج سياقات المألوف في الحساب المادي، والقياس الكمي، للقدرات الفنية، كما جرت العادة عليه في حساب اسباب النصر، في مثل هذه المعارك التاريخية الكبرى. فقد كانت استغاثة المسلمين بالله، وفي المقدمة منهم الرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي كان في عريش بجوار بدر، قد تجسدت بعون الله الى مدد، منذ أن أمضى ليلة الجمعة بطولها يجأر إلى الله  بالدعاء والتضرع، يستغيث بربه مادا يديه قائلا: (اللهم أنجز ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، وما زال – صلى الله عليه وسلم – يهتف بربه مادا يديه مستقبلا القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فتناوله أبو بكر – رضي الله عنه – وأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه قائلا: (يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك)، فنعس الرسول قليلا فرأى في نعاسه البشرى بنصر الله فانتبه مستبشرا قائلا: يا أبا بكر أتاك نصر الله، فيأتي مدد الله – عز وجل – بالملائكة، يقوونهم استجابة أكيدة لاستغاثة التطلع المؤمن للرسول القائد، وصحبه الميامين، حيث قال الله تعالى في ذلك: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].

هذا هو السر الكامن في نصر الله للمسلمين في معركة بدر آنذاك، وهذا هو السر الذي فقدناه في معاركنا اليوم، ومن ثم فقدنا النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين، وأكده في كتابه الكريم على قاعدة ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].

وإذا كان راهن الحال العربي المسلم على هذا النحو السيئ من تردي الحال المنهك، المثقل بالشرذمة، والنكوص، والإحباط، والتخلف المطبق، وهو بلا ريب، واقع مزر، ومقرف، بحيث يمنع البصيرة العربية الإسلامية المعاصرة، من تلمس حقيقة التصور المنشود للحال الإيجابي، الذي ينبغي أن يكون عليه العرب والمسلمون من النصر المقتدر، والرفعة، في الحياة الدنيا، في رفض الواقع السيئ، والانقلاب عليه، بمقاييس الدروس المستنبطة من معركة بدر الكبرى، مع أخذ فارق الزمن، ومستجداته بنظر الاعتبار، عند مواجهتهم مصاعب معارك الأمة المصيرية المعاصرة  المثقلة بكل هذه الآلام، بما يقتضيه من تواصل عضوي مع روح معركة بدر الأولى.

وإذا كان تجسيد النموذج بالتعقيب في الوقت الحاضر يشق على الأمة، بسبب التحديات الخارجية والداخلية، وما تفرضه مقتضيات العصر من ضرورات تكييف في السياسات، لكي تواكب العصرنة ومتطلبات الحداثة، فلا جرم أن ذلك لا يمنع أبدا من الاستلهام الخلاق للصفحات المشرقة في تاريخ الأمة، وعلى رأسها بالطبع دروس تجربة معركة بدر الكبرى، واستحضارها في معارك الامة المعاصرة للتحرير، والتنمية، وصنع النصر الخاص بالحياة المعاصرة للأمة، وتفجير طاقات الأمة الكامنة الروحية بالاستغاثة بالله، والمادية منها بتهيئة أسباب النصر الفنية على قاعدة ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، بما يضمن تقديم نموذج سامي معاصر، يفيض على الأمة بالخير العميم، ويعصمها من التبعية المذلة للآخر، ويضعها على طريق معاودة دورها الرسالي على الساحة الدولية باقتدار، ويرد الاعتبار للذات بمقتضى معيار: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]، فيكونوا دوماً، كما أرادهم الله بحق، خير أمة أخرجت للناس.

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك