كلمات ربي وآياته في القرآن ال

من الإعجاز العلمي في قصة أصحاب الكهف

ورد في سورة الكهف العديد من القصص منها قصة سيدنا موسى مع الخضر وقصة ذي القرنين ، وتبدأ السورة بقصة الفتية المؤمنين الذين فروا بدينهم واعتزلوا قومهم فآووا إلى أحد الكهوف بوحيٍ من الله تعالى ، حيث تأتي الآيات التالية في هذه القصة:
“وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا”( سورة الكهف: ١٦:١٨)
وعندما نتدبر هذه الآيات الكريمة نجد الآية الأولى “وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا” تتحدث عن هداية الله تعالى لهؤلاء الفتية إلى مكان هذا الكهف برحمته ،حيث جاء في خطاب أحدهم أن يأووا إلى الكهف ، أي إن هذا الكهف كان معروفًا لهم ،ولم يأت القول بأن يأووا إلى كهف ،ولا شك أن الله قد هداهم إلى مكان هذا الكهف برحمته وعلمه، حيث إن الله خصَّ هذا الكهف في موقعه وتصميمه وتربته وفتحاته وأبعاده بما يحقق بقاءهم فيه هذه الفترة التي قدرها الله لهم ،وسبحانه وتعالى يسبب الأسباب التي تحقق مشيئته بعلمه وحكمته وقدرته، حيث تتوافر فيه الظلال أثناء وهجّ الشمس ساعات الشروق ، ويسمح بدخول نورٍ ضئيلٍ من الشمس في فترات الغروب،وهذا ما يتضح عند التدبر في بداية الآية الثانية من الآيات السابقة:” وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ
والتوقف عند الكلمات : تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ولم يأت القول: تزور كهفهم: نجد أنها تعطي للمعنى: أن هناك ما يمنع الشمس من الزيارة المباشرة لهذا الكهف عند طلوعها أي عند شروقها في الصباح حيث لا تتعدى أشعتها عتبة المدخل حتى الظهيرة ، وهكذا لا تتسبب سخونة الجو داخل الكهف بأشعة الضحى الحارقة ، ثم ننظر إلى قوله سبحانه في الجزء التالي من الآية:”وإذا غربت تَّقْرِضُهُم ذات الشِّمال” والتوقف عند كلمة “تقرضهم”يوجه الفكر ماذا ستقرضهم الشمس قرب الغروب ، إنها تقرضهم جزءًا من أشعتها فتدخل إلى الكهف من الداخل ببعض الدفء بحرارة هذه الأشعة ولتطهير الجو من أي بكتيريا ضارّة أو آفات مؤذية حتى لا تتعفن أجسام الراقدين برحمة الله ،وهذا ما يتوافر بحسب العلم الحديث في أشعة الغروب وما تحتويه من موجات مفيدة في هذا الوقت الذي تكون فيه قد فقدت بعض أطوال الموجات التي تزيد حرارتها ، هكذا تشرق الشمس عند طلوعها من على يمين الكهف دون أن تدخله ، ولكن تقرض الكهف بأشاعتها بدءًا من الظهر ( أي بدءًا من أول لحظات رحلتها إلى الغروب) أي أن الشمس لا تتعدى أشعتها عتبة المدخل حتى الظهيرة في حين أنها تدخل الكهف بجزءٍ من أشعتها دون أن تغمره أثناء الغروب لتقرضه من الداخل ببعض الدفء والتطهير ، وفي هذا ما يحقق إرادة الله في البقاء في هذا المكان ٣٠٠ سنة ميلادية بالتقويم الشمسي بحساب أقوالهم ،٣٠٩ هجرية بحساب التقويم القمري ،وهي فترة كافية أن يبتعدوا عن حكم الطاغية الذي خيرهم بين الشرك والموت، وأن يكون آيةً لأقوامٍ جاءوا بعد قيامهم وبعثهم ، أقوامٌ كانوا يَشُكُون في البعث ، فهدى الله هؤلاء الفتية إلى سبيلٍ فيه الرحمة بهم والرفق بأمرهم والحفاظ على إيمانهم وفوزهم في النهاية بالجنة التي سعوا إليها بتوحيدهم وبعدهم عن أهل الشرك كما يدلنا قول الله: يَنشُر لكم ربُّكم من رحمته ويُهَيِئ لكم من أمركم مِّرفقا “
ونعود إلى تدبر الآيات فنجد في هذه الآية الثانية أنه بالرغم من دخول الشمس أثناء غروبها بهذا إلا أن أجساد الفتية لم تتعرض مباشرة لهذه الأشعة حيث إنهم كما تذكر الآية:” وهم في فَجوَةٍ منه”
أي: بعيدين عن التعرض المباشر لهذه الأشعة حتى لا تحترق جلودهم أثناء رقودهم ،بينما نرى أن كلبهم كان راقدًا دون حركة عند مدخل الكهف كما تذكر الآية الكريمة:” وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد”
وعند البحث في المراجع الطبية نجد أنه مطلوبٌ عدم تعرض البشر المباشر لأشعة الشمس أثناء الرقود بينما هو مطلوب لجلد الكلب الذي يعد مرتعًا ومستودعًا للبكتريا والبراغيث والقراد والحشرات الدقيقة ، ويكفي تعرض الكلاب يوميًا ساعة واحدة للتخلص من هذه الأضرار وهذا ما توضحه الآيات أن الكلب كان راقدًا أمام المدخل:”بالوصيد”
ليبث الرعب فيمن يحاول الاقتراب وحرمان الفتية من نومهم ، وحيث إن رقوده عند المدخل سوف يعرض جسمه لأشعة الشمس أثناء توجه الشمس إلى الغروب ، كما تذكر الآيات، وهي فترة كافية لتطهير جلد الكلب وجو الغرفة من أي آفات وبكتيريا ، وتضع الآية ايضًا فرقًا آخر بين الكلب وبين الفتية وهو أن الله جعل أجساد الفتية تتقلب ذات اليمين وذات الشمال مرةً على الأقل يوميًا استجابة إلى حركة الشمس حول الكهف كما توحي الآيات ولكن تذكر الآيات أن الكلب كان مستقرًا على وضعٍ واحدٍ لا يتقلب وقد كان هذا المعنى سببًا لإسلام أحد علماء الغرب ،حيث ذكر أن الإنسان إذا استمر رقوده على جنبٍ واحدٍ عدة أيامٍ تسبب شقوقًا خطيرة في جلده تسمى قرحة الفراش تؤدي إلى تعفن الجلد وتآكله ، أما بالنسبة للكلاب فإنها تنفرد بوجود غدد تحت جلدها تفرز مادة تمنع تقرح الجلد ما دام في جسد الكلب حياة ولو لم يتقلب ،ولذلك لم تذكر الآيات أن كلبهم تقلب مثلهم في الكهف ولكنه كان باسطا ذراعيه دون حركة كما ذكر أنه بالنسبة للبشر لا تحصل تقرحات الفراش إذا كانت الغرفة مهواة وتدخلها الشمس دون أن تكون مباشرة على الجسد وهذا ما نصت عليه الآيات في دقة متناهية كي توضح لنا أن كل ما جاء في هذا الكتاب جاء “من لَّدن حكيمٍ عليمٍ”(النمل:٦)
وبناء على ما جاء في آيات سورة الكهف التي جاءت فيها هذه القصة فقد استدل الباحثون أن الكهف يقع في منطقة تسمى ( الرقيم) كما جاء في الآية (٩) من هذه السورة ،وهي على بعد ١٣ كم من جنوب شرق العاصمة الأردنية عَمّان وقد حدد العلماء مكان هذا الكهف الذي يحقق تصميمه ما جاء عن كيفية سطوع الشمس وغروبها عليه في الآية الثانية من هذه الآيات ، كما اكتشفوا أيضا مدى الكفاءة التصميمية لهذا الكهف من ناحية التهوية الجيدة داخل الكهف والتي تسهم في تجديد الهواء به، وأن تربة هذه المنطقة تتكون من كربوهيدرات الكالسيوم والمغنيسيوم إضافة إلى حفريات النباتات والحيوانات المشبعة بمواد الراديوم والثوريوم المشبعة والتي من خصائصها الحفاظ على نضارة الأجسام وتحقيق ما أراده الله باختياره لهذا الكهف وإن تحتفظ أجسامهم بنضارة طوال هذه السنين ،كما تم العثور في هذا الموقع على ثمانية قبور بنيت بالصخور أربعة منها يقع على يمين الداخل للكهف والأربعة الأخرى تقع في قبو على يسار الداخل للكهف ، والمرجح أنها القبور التي دفن فيها الفتية الذين ورد ذكرهم في القرآن وفي المنطقة الواقعة بين القبوين في الجزء الأول من الكهف تم العثور على جمجمة لكلب وبفكه ناب واحد وأربعة أضراس، فقد أثبتت الحفريات عن وجود بنيان فوق هذا الكهف كان معبدا(كنيسة) ثم تحول إلى مسجد في العصر الإسلامي.
واخيرا فإن وجود كهف ما في مكان ما ينطبق عليه آيات شروق الشمس وغروبها كما وردت في سورة الكهف ويحقق الحفاظ على أجساد هؤلاء الفتية وكبلهم طوال هذه السنين لهو إعجاز وسبق علمي للقرآن الكريم؛ لأن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بمعرفة علمية دقيقة بعلاقة حركة ومسار الشمس على مدار العام بهذا الكهف وما يتطلبه تقلبهم في فجوة منه مع تطهير جو الغرفة وجلد كلبهم بأشعة الشمس وبالتهوية المناسبة ، وهو ما يحتاج لمعرفةٍ علمية دقيقة بمسارات الشمس والحاجة لأشعتها مع الحماية منها ، وبالشؤون الطبية الخاصة بالإنسان والحيوان لم تكن تتوفر لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهي معرفة يسبق بها عصر الرسالة لأنها جاءت من عند الله رب العالمين .

الجمعة ٥ رمضان 1445، 15 مارس 2024

المزيد للكاتب:  استقبال شهر رمضان المبارك.. بقلم الباحث /محمد أحمد عبدالله

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك