الشك في الطهارة

كتبت/ رضوى السيد و نسمة شرة 

لا يخلو مجال تتاح فيه الأسئلة إلا الفيت عددا من النساء يبالغن في السؤال والتحري ويتكلفن في التأكد من الطهارة حتى لجأت بعضهن لإدخال القطنة داخل الفرج تنظر أطهرت أم لا، وهذه الشكوك قديمة، فقد كانت النساء يبعثن لعائشة رضي الله عنها بالقطنة فيها أثر الصفرة والكدرة من الحيض فتعيب عليهن هذا الاستعجال، ولما ازداد الاستعجال بإشعال المصابيح للنظر في الطهر في جوف الليل وأخبرتهن ابنة زيد بن ثابت أن خيرة النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما كن يفعلن ذلك، وعابت عليهن.

إذا أرادت المرأة أن تتجنب الوسوسة فعليها بالآتي:

 أن تعلم أن الأصل في الدم أنه حيض ما لم يظهر سوى ذلك كأن تطول المدة وتزيد عن العادة زيادة غير طبيعية قال ابن قدامة: ” دم الحيض دم جبلة والاستحاضة عارضة فإذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض ”  فلو استطال الحيض إلى سبع أيام أو ثمانية أو تسعة وهي تحيض عادة ستة أيام فذلك حيض إلا أن يتغير لون الدم ويغزر ويفحش، ولو جاءت الحيضة الثانية بعد الطهر بعشرة أيام وهي في العادة تأتي بعد عشرين يوما وكانت بصفتها السابقة الذكر لونا ورائحة فعرفت أنها كالحيض ولا تفترق عنه بشيء فلا تصلي بل تعدها حيضا، لأن من المعلوم عند النساء أن الحيض يتغير قليلا بأثر بعض الظروف كالحالات النفسية المضطربة أو تغير نوع الطعام أو تناول بعض الأدوية أو اضطراب النوم أو الزواج أو الصوم.

ومما يزيل الوسوسة أن تعلم أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها فتتحرى الصواب قدر استطاعتها وتفعل ما غلب على ظنها، فإن غلب على ظنها أنها لاتزال حائضا بقيت على حكم الحيض، وإن غلب على ظنها أن الدم تغير وأن الحيض انقطع وهذا ليس نفس الدم وانقضت عدة الحيض، فتغتسل وتصلي، والدليل عل ما ذكرته حديث حمنة بنت جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني استحضت حيضة منكرة شديدة قال لها احتشي كرسفا قالت له إنه أشد من ذلك إني أثج ثجا قال تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي غسلا فصلي وصومي ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين وأخرى الظهر وقدمي العصر واغتسلي لهما غسلا وأخري المغرب وعجلي العشاء واغتسلي لهما غسلا وهذا أحب الأمرين إلى.) 

قال أبو المحاسن في معتصر المختصر من مشكل الآثار

“المعنى في هذا أنه أمرها أن تتحيض في علم الله ما أكثر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك لا أنه رد الخيار إليها من غير تحر منها كما أمر من دخل عليه شك في صلاته أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه فيعمل عليه وهذا إنما يكون عند نسيانها أيامها التي كانت تحيض فيها فأمرت بالتحري كمن شك في صلاته ولم يعلم كم صلى.” قال ابن قدامة:” قوله ستا أو سبعا الظاهر أنه ردها إلى اجتهادها ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بكونه حيضا” 

. إذا كانت تستحاض فلا تطهر أو يغلب عليها نزول الدم أكثر الشهر فلتعلم أن الأصل في المرأة البراءة من الحيض حتى يثبت لها بصفاته أو عدته، أما صفاته فالتي وردت في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: (أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) .

فتعتبر بلون الدم وهو المائل للسواد، والمعروف لدى النساء في الأوقات المعتادة سابقا يعرفنه برائحته وبآلآمه وبثخونته، فإذا كان بهذه المواصفات فهو دم حيض، وإذا كان بمواصفات أخرى كالحمرة الخفيفة وعدم اللزوجة ورائحته كرائحة دم الجرح فهو دم استحاضة.
وأما عدته فعلى عادتها قبل الاستحاضة كما ورد في الحديث الصحيح عن عائشة: (أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إن ذلك عرق ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) 

 إذا شق عليها التمييز، فلم تستطع أن تفرق بين الاثنين فإنها تأخذ بالعدد المعتاد سلفا ستة أيام أو سبعة أو ثمانية، فإذا زاد زيادة يسيرة يوم أو يومين مع مقاربة الانقطاع فتنتظر حتى تطهر، وإن انتهت العدة المعتادة والدم مستمر بها لا يقارب الانقطاع، اغتسلت وصلت.
5. على المرأة أن تتعلم أحكام الحيض وتستوعبها وتتخذ منهجا موحدا بحيث تكون بمنء عن تضارب الأقوال واختلاف الآراء لئلا يزداد قلقها وتشككها.

 أن تعلم أن الشارع لم يعتبر ما حاك في النفس من أمور النجاسات، بل اعتبر المحسوس منه لذا وجه من يشعر بأن ريحا خرجت منه بأن لا ينصرف حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا كما جاء في الحديث () ووجه من شك في صلاته فلم يدر كم صلى أن يعتبر ما استيقن ويدع ما شك فيه دون اعتبار.
وقد كتب الشيخ العلامة صدّيق حسن خان في كلام له عن تطهير النّعل بالمسح بالأرض:

” ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما علِم حدوث الشكوك في الطهارات فيما يأتي من الزمان، وأطلعه الله على ما يأتي به المصابون بالوسوسة من التأويلات التي ليس لها في الشريعة أساس: أوضح هذا المعنى إيضاحاً ينهدم عنده كل ما بَنوه على قنطرة الشك والخيال، فقال:
” إذا جاء أحدكم المسجد؛ فلينظر نعليه، فإن كان فيها خبث فليمسحه بالأرض، ثم ليُصلّ فيهما.
ولفظ أحمد وأبي داود: إذا جاء أحدكم المسجد؛ فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض، ثم ليُصلّ فيهما “.
فانظر هذه العبارة الهادمة لكل شكّ، فإنه – أولاً – بيّن لهم أنهم إذا وجدوا النجاسة في النعلين وجوداً مُحققاً؛ فعلوا المسح بالأرض، ثم أمَرَهم بالصلاة في النعلين ليعلموا بأن هذه هي الطهارة التي تجوز الصلاة بعدها.

ثم قال: ومَن أنكر هذا فليُجرّب نفسه، ويعمل بمثل هذا النص الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في مسح الأذى الذي يعلق بالنعل في الأرض، ثم يُصلي فيه، وينظر عند ذلك كيف يجد نفسه؟! مع أن ذلك هو المَهيَع الذي لا يُرجّح المجتهد سواه إن أنصف من نفسه فليُصدّق فعلُه قولَه، وإذا كان مُقلّداً فله بالأئمة الأسلاف قدوة، وهم الأقل من القائلين بذلك، وهيهات ذاك؛ فإن الشكوك والخيالات قد جعلها الشيطان ذريعة يَقتنص بها من لم يقع في شباكه المنصوبة للمتهتكين من العُصاة المستهترين بمحبتها؛ لأنه وجد قوماً لا تطمح أنفسهم إلى شُرب الخمور وارتكاب الفجور، فحفر لهم حُفيرة جمع لهم بين خزي الدنيا وعذاب الآخرة. انتهى كلامه رحمه الله.
ومقياس آخر، وهو تطهّر ذيل ثوب المرأة بمروره على الأرض الطاهرة بعد مروره على الأرض النجسة
سألت أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أم سلمة رضي الله عنها فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُطهره ما بعده. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وعن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت: يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مُطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه” .

المراجع د. رقية بنت محمد المحارب
الأستاذ المساعد بكلية التربية/ الأقسام الأدبية بالرياض

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك