بيد من يكون الطلاق

إن جاز فصام عرى الرباط المقدس بمعرفة القاضي في أحوال معينة، إلا أنه لا يجوز إسناد هذا الأمر إلى الزوجة.

فالعصمة بيد الرجل وحده، وجعلها بيد المرأة مخالف للنظام العام في الشريعة الإسلامية، ويجب عدم الاعتداد به.

كما لا يجوز تقييد الطلاق بحكم المحكمة، إذ أن هذا لا يتفق مع الحياة السعيدة، إذ كيف يرضى الزوجان بالاستمرار في حياة ظاهرها حفظ كيان الأسرة وباطنها من قبله العذاب.

إن تقييد الطلاق بصورته الواردة في مشروع القانون لا يفترق عن تقييد حق صاحب العمل في فصل العامل، ومن ثم تصبح العلاقة الزوجية أقرب ما تكون إلى الإجارة وعقود العمل، بل ليتها كذلك، فقانون العمل الموحد رقم 91 لسنة 59 لم يعلق إنهاء عقد العمل على حكم القاضي، بل منع الفصل التعسفي فحسب، فإذا ما خالف صاحب العمل هذا القانون، ولم تفلح التسوية الودية التي يقوم بها مكتب العمل، ثم رفض صاحب العمل تنفيذ حكم المحكمة القاضي بإعادة العامل إلى عمله لكون الفصل غير مشروع، لا ينفذ هذا الحكم جبرًا على صاحب العمل .

بل ينتقل حق العامل إلى التعويض، والحال ليس كذلك بالنسبة لمشروع قانون الأحوال الشخصية، فقد حجر على الزوج، وجعل القاضي
قيمًا على الرجال جميعًا، وهذا فيه خطورة بالغة، إذ يؤدي إلى الإحجام عن الزواج، الأمر الذي يعانيه المجتمع اليوم وكفى.

والشريعة الإسلامية إنما أعطت الرجل حق الطلاق، لأنه قوام على المرأة، ويملك التحكم في أعصابه ويفكر كثيرًا قبل أن يقدم على هدم الأسرة، ثم جاءت الشريعة الإسلامية فوضعت قيودًا زمنية تحول دون إساءة استعمال هذا الحق، دون أن تتدخل في الحريات أو تعرض أسرار العائلات إلى هذه العلانية الأمر الذي يحول دون استئناف الحياة الزوجية. كما أعطت المرأة حق التطليق فيما يسمى بالخلع فقد قال ابن رشد:

«[فَإِنَّهُ لَمَّا جُعِلَ] الطَّلَاقُ بِيَدِ الرَّجُلِ [إِذَا فَرَكَ المَرْأَةَ]، جُعِلَ الخُلْعُ بِيَدِ المَرْأَةِ [إِذَا فَرَكَتِ الرَّجُلَ]» .
كما قرر المشرع الإسلامي حق التعويض وهو يحول تلقائيًا دون إساءة استعمال حق الطلاق.
ونركز هذه القيود في البنود التالية :
1 – بطلان الطلاق المعلق.
2 – بطلان الطلاق الموصوف بِعَدَدٍ لفظًا وإشارة، وإيقاعه طلقة واحدة.
3 – بطلان الطلاق الواقع في فترة الحيض أو في طهر مس الزوج زوجته فيه.
والمبدأ الأول والثاني تأخذ بهما لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، أما المبدأ الثالث فمهجور بمقولة أنه طلاق بدعي، يجوز مع الكراهة، وفي ذلك مغالطة، ولو صح هذا أو جاز، فبطلان مثل هذا الطلاق أولى وألزم من الحجر على الرجال وجعل الطلاق بيد القاضي.
وبطلان هذا الطلاق يستمد من القرآن والحديث، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} 

وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنَ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ».

ومقصد الشريعة من هذه القيود الزمنية الإمساك على الزواج في كثير من حالات الطلاق التي مبعثها أمور وقتية تزول بعد فترة من الزمن.
وهذا الطلاق المنهي عنه هو كالنكاح المنهي عنه، لا يصح ولا يعتد به إذ النهي يقتضي البطلان في الحالتين.
4 – النص على مبدأ التعويض:
فإذا أساء الزوج استعمال حقه في الطلاق حكمت المحاكم بالتعويض المناسب للزوجة، قال – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لاَ ضَرَر وَلاَ ضِرَارَ».
فوقًا عن ذلك فإن مبدأ تعويض المطلقة، قد قرره الإسلام بغض النظر عن سوء استعمال الحق من عدمه، قال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (1).

هذه المذكرة قد نشر ملخصها في جريدة ” الأهرام ” بتاريخ 25/ 5 / 1960

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك