الشيخ محمد متولي الشعراوي.. بقلم الباحث /محمد أحمد عبدالله

0
0

 

الشيخ محمد متولي الشعراوي ( ١٣٢٩_١٤١٨ه= ١٩١١_ ١٩٩٨م) 

يُعَدُّ الشيخ الشعراوي رحمه الله عالمًا بارزًا من علماء القرن العشرين ، وقامة سامقة بين علماء المسلمين ، يُشار إليه بالبنان ، ملء السمع والبصر والفؤاد؛ فهو العالم الموسوعي ، والأديب الشاعر ، واللغوى المفسَّر ،والفقيه المجدِّد، ابن الأزهر الشريف ،وزير الأوقاف وشؤون الأزهر ،عضو مجمع البحوث الإسلامية ، وعضو مجمع اللغة العربية ، ولِمَ لا وقد ملاء الدنيا رحمه الله بخواطره الإيمانية وأحاديثه التليفزيونية التي ضمَّنها عُصارة رحلته العلمية، وثمرة ثقافته الموسوعية.
“اسمه ونسبه”:
هو الشيخ محمد متولي الشعراوي ، ولد عام ١٩١١م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية ، لأسرة متوسط الحال ، كرمية المنبت ،تنتسب إلى سلالة الحسن والحسين رضي الله عنهما وحرص والده على تزويجه مبكرًا ، وألحقه بمعهد الزقازيق الأزهري ،فتخرّج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر ،وحصل على العالمية مع إجازة التدريس ،وعمل في التدريس في الأزهر ،وشارك في العمل الوطني،و درسّ في المعاهد والجامعات في الجزائر والسعودية. قدّمه الإذاعي أحمد فراج في برنامج:( نور على نور) في أواخر السبعينات مفسّرا للقرآن الكريم ؛ فوصل بأسلوبه المبسّط إلى كل شرائح المجتمع ، ولقى قبولاً واسعًا في مصر والعالم الإسلامي.
“شيوخه وتلاميذه”:
تعلم الشيخ الشعراوي على أيدي عدد من الأساتذة والعلماء منهم: أستاذه في المعهد الأزهري بالزقازيق الشيخ إبراهيم حمروش ، شيخ الأزهر سابقًا والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد أحد رواد مدرسة التحقيق العلمي ،والشيخ محمد بن مصطفى المراغي شيخ الأزهر سابقًا، إذ تابع الشعراوي دروسه في التفسير، وغيرهم.
أما تلاميذه فقد تتلمذ على يديه عدد من طلاب العلم منهم الشيخ الجميلي وهو طبيب مصري والشيخ المقرئ محمد صديق المنشاوي والشيخ سامي محمد متولي الشعراوي ابن الشيخ الشعراوي وأمين مجمع البحوث الإسلامية سابقًا.
“المناصب التي تقلدها”
تدرج الشيخ الشعراوي في تولي المناصب بداء من مُدّرس في معهد طنطا الديني ثم معهد الإسكندرية والزقازيق مرورًا بالتدريس في المعاهد والكليات السعودية ،ثم مدير للأوقاف بمحافظة الغربية فمدير عام للدعوة بوزارة الأوقاف ومدير عام لشؤون الأزهر ، ورئيس لبعثة الأزهر بالجزائر ثم قبل الشيخ الشعراوي العمل وزيراً للأوقاف وشؤون الأزهر ، واتفق مع ممدوح سالم رئيس الوزراء آنئذ على أن يكتب مذكرة لرئاسة الجمهورية ؛ لتصحيح الأوضاع فيما يتعلق بالعلاقة بين الأزهر والأوقاف، ولم تؤت المذكرة ثمارها المرجوّة ، ولم يسترح الشيخ الشعراوي للقيود التي تفرضها عليه مهام المناصب ،فحاول تقديم استقالته أكثر من مرة ؛ لكنها لم تقبل حتى أقيلت الحكومة وخرج منها بعدما قضى فيها سنتين إلا ٢٨ يومًا.
“حياته الفقهية”
كانت لدى الشيخ الشعراوي رؤية فقهية واجتهادات علمية في عدد من القضايا العصرية كقضية أطفال الأنابيب، والتبرع بالأعضاء ،وفيما يأتي نموذج لموقفه من موضوع نقل مقام إبراهيم لتوسيع المطاف في خمسينات القرن الماضي, إذ بعث الإمام الأكبر الشيخ حمروش شيخ الأزهر سابقًا الشيخ الشعراوي أستاذًا في كلية الشريعة في مكة المكرمة عام ١٩٥٠ م ، وفي عام ١٩٥٤ م علم الشيخ الشعراوي في المملكة أن الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز قد عزم على نقل مقام إبراهيم إلى الوراء إلى منطقة (الحصوة) لتوسيع المطاف ؛ استنادًا إلى مشورة بعض العلماء الذين استندوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نقله سابقًا، فحاول إقناع زملائه في البعثة المصرية ومعارفه من علماء المملكة بأن هذا مخالف للشريعة وضرورة إيصال الرأي إلى الملك سعود ،لكن أحدًا لم يُسْعِفه ولم يبق على موعد نقل المقام إلى المبنى الجديد الذي أقيم إلى الوراء على غرار المبنى القديم إلا خمسة أيام ؛ فقرّر رحمه الله مراسلة الملك سعود يقول الشيخ الشعراوي :” لقد أرسلت برقية من خمس ورقات ( فلوسكاب) إلى الملك سعود عرضت فيها المسألة من الناحية الفقهية والتاريخية وقلت: إن نقل المقام من مكانه إلى مكان آخر لا يجوز شرعًا وقلت إن الذين يحتجون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام بنقل المقام واستندوا إلى ذلك في تبرير عملية النقل قد جانبهم الصواب ؛لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رسول ومشرع وليست حجة لكي نستند إليها وننقل مقام إبراهيم من المكان الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويضيف الشيخ الشعراوي وقلت في برقيتي أيضًا: إن عمر بن الخطاب لم يفعلها عندما وقع سيل أم نهشل وجرف حجر المقام من مكانه بعيدًا، وإنه عندما حدث ذلك وعلم به عمر جاء فزعًا من المدينة وجمع أصحابه وسألهم قائلًا:” أنشد الله عبدًا علم ٌفي هذا المقام”، فقام المطلّب بن أبي وداعة السّهميّ: أن يا أمير المؤمنين عندي ذلك…لقد أعددت لهذا الأمر عدته ، وقام عمر بوضع حجر المقام في موضعه الذي كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولذلك لا يجوز لأحدٍ أن ينقل المقام من مكانه وموضعه الذي وضعه رسول الله. وقد وصلت البرقية إلى الملك سعود وجمع العلماء ،وقدم لهم البرقية وطلب منهم أن يدرسوا ما بها وينتتوا إلى رأي ، وأن يبلغوه به في اليوم التالي: أي قبل ٢٤ ساعة من الوقت المحدد لنقل المقام، فوافقوا على كل ما جاء بالبرقية وأيّدوا ما ذكرته وقالوا:” إن هذا الكلام لا يُنقَض” وبعثوا برأيهم هذا إلى الملك سعود فأصدر أمرًا بعدم نقل المقام ودراسة مقترحات الشيخ الشعراوي.

وكان الشيخ الشعراوي قد اقترح في برقيته: أن يزال المبنى الذي يوجد فيه مقام إبراهيم: لانه كبير ،وهو الذي يسبب الزحام دون المساس بالمقام نفسه وأن يبقى فقط الموضع الذي به مقام إبراهيم وهو لا يشغل سوى مساحة صغيرة لا تزيد على المساحة التي يشغلها شخصان واقترح أن يُصنع له قبة صغيرة من الزجاج غير القابل للكسر ، وأن يظهر المقام للناس تحقيقًا للآية الكريمة التي تقول عن بيت الله الحرام ” فيه ءاياتٌ بيّناتٌ مّقام إبراهيم” ( آل عمران:٩٧)
وأنه ليس من المقبول أو المعقول أن نعمل بعكس الآية فنضع المقام في مبنى يحجبه عن أعين الناس ،فصار المقام على ما هو عليه الآن.
وهنا بفوا الشيخ الشعراوي بعد ١٨ عاما قضاها في المملكة أستاذًا في كلية الشريعة ، لكن هذا العمل الذي وفقني الله إليه وهو الإبقاء على مقام الخليل إبراهيم في موضعه يفوق كل ما قدمت ، بل هو عندي بالدنيا وما فيها ، فالحمد لله “. ويضيف الأستاذ سعيد أبو العينين مؤلف الكتاب قائلا:” ويصف الشيخ ويطول صمته وتضيء الفرحة وجهه وهو يتذكر شيئًا عزيزًا وغاليًا ويقول:” بعد يومين اثنين من الأمر الذي أصدره الملك سعود بايقاف نقل المقام شرّفني الله وشرّف عيني برؤية سيدنا إبراهيم الخليل”.
“نموذج من ردوده على المستشرقين في تفسير القرآن”
وقف الإمام الشعراوي رحمه الله حائط صدّ منيع أمام مثيري الشبهات من المستشرقين وأذنابهم وبقيت خواطره منارة للسارئرين على الدرب ، تردّ كيد الكائدين وتفنّذ حجج المبطلين ،وتقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما يصفون وفي المجال اللغوي جاءت خواطر الإمام حول قول الله تعالى:”وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ”( الزخرف: ٨٤)
نموذجاً في الدفاع عن الكتاب العزيز ولغته الباسلة ؛ فبعد أن بين فضيلته معنى الآية وأن صفة (إلهٌ) ذاتية فيه سبحانه وأنها صفة كمال لا تفارقه ولا تنفك عنه لا في السماء ولا في الأرض ،و أنه سبحانه ليس له مكان يسعه ولا زمان يحويه ؛ لأنه سبحانه خالق الزمان وخالق المكان والمخلوق لا يسع الخالق:يقول: “وكان للمستشرقين وقفة عند هذه الآية بسبب تكرار النكرة “
:”وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ”( الزخرف: ٨٤)
فكلمة( إلهٌ) نكرة كُرّرت والقاعدة اللغوية أن النكرة إذا كررت كانت الثانية غير الأولى كما لو قلت :لقيتُ رجلًا ، وأكرمتُ رجلًا، فرجل الثانية هي عين الأولى، أما المعرفة إذا كررت كانت الثانية هي عين الأولى، لو قُلت: لقيتُ الرجل فأكرمت الرجل فأكرمت الرجل إذن: هو هو، وهذه القاعدة وضعتنا في إشكال مع هذه الآية ومن يقول بإله في السماء وإله آخر في الأرض؟!
وفي حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُوكِّد هذه القاعدة: لأنه حين قرأ:” فإنّ مع العسر يسرًا ، إن مع العسر يسرًا “(الشرح: ٥، ٦)
قال لن يغلب عُسرٌ يُسرين ف( العُسر) جاءت معرفة (ويسر) جاءت نكرة.
وهذه الآية لها معنا قصة مع الناس الدراويش في المسجد الأحمدي بطنطا ، ففي يوم من الأيام جاءنا الشيخ محمود شلتوت وكان شيخًا للأزهر ليزور مدنية طنطا وجاء المسجد ليصلي وبعد الصلاة سأله الشيخ أبو العينين وكان أستاذًا للتفسير وقال له: الحمد لله يا مولانا أنني وجدتك هنا ؛لأنني في درس التفسير أمس وقفت أمام الآية
:”وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ”( الزخرف: ٨٤)
والقاعدة أن النكرة إذا كرّرت كانت الثانية غير الأولى ؟وبمجرد أن بدأ للشيخ شلتوت في الجواب: وقال:” والله العلماء قالوا: إن القاعدة أغلبية…”، عندها دخل رجل عاري لا نعرفه قبل ذلك ولا عرفناه بعدها، وكان عاري الرأس وفي يده عصا “وقال يا علماء يا علماء: أنتم نسيتم اسم الموصول ( وهو الذي) اسم موصول معرفة وما بعده صلته ، إذن: الكلمة المكررة صلة لموصول واحد ، يعني هو هو ، ثم انصرف الرجل وجلسنا نحن لم يتكلم منا أحد لمدة نصف ساعة “
ولهذا نقول لمن وقفوا عند هذه الآية : لا تبحثوا عن النكرة المكررة بمعزل عن الاسم الموصول معرفة”
“كلمة الشيخ الشعراوي للأمة…وللتاريخ”
شارك الشيخ الشعراوي في العمل الوطني في مراحل حياته المختلفة ، وكانت له مواقف متعددة ، ومما أثر عنه في أواخر حياته كلمته الشهيرة للأمة جميعاً بحضور شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي جاد الحق والشيخ محمد الغزالي رحم الله الجميع وذلك في اللقاء مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عقب نجاته من حادثة أديس أبابا عام ١٩٩٥م وجاء فيها:
” إني يا سيادة الرئيس أقف على عتبة دنياي لأستقبل أجل الله، فلن أختم حياتي بنفاق ، ولن أبرز عنتريتي باجتبراء ،ولكن أقول كلمة موجزة للأمة كلها حكومًا وحزبًا ومعارضة ورجالا وشعبا آسف أن يكون:”سلبيًّا ، أريد منهم أن يعلموا أن الملك كله بيد لله يؤتيه من يشاء فلا تآمر على الله الملك ولا كيد على الله الحكم؛ لأنه لا يحكم في ملك الله إلا بما أراد الله، فان كان عدلًا نفع بعدله وإن كان جائرًا ظالمًا بشّع الظلم وقبّحه في نفوس كل الناس؛ فيكرهون كل ظالم ولو لم يكن حاكمًا؛ ولذلك فأنا أنصحه بأن لا تطلبه بل يجب أن تُطلب له فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما معناه:”من طُلب إلى شيء أعين عليه ومن طلب شيئاً وُكِل إليه “. يا سيادة الرئيس: آخر ما أحب أن أقوله لك ولعل هذا يكون آخر لقائي أنا بك إذا كنت قدرنا فليوفقك الله وإذا كنت قدرك فليعنك الله على أن تتحمل”.

“مؤلفات الشيخ الشعراوي”:
تجدر الإشارة إلى أن مصنفات الشيخ الشعراوي في معظمها عبارة عن دروس ومحاضرات وخطب وخواطر إيمانية تم بثها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو مقالات نشرت بالصحف ،وقام بجمعها المهتمون بها ،وصنفت كل موضوع على حدة. وأخرجت على هيئة كتب منسوبة إلى الشيخ الشعراوي وتنافست دور النشر على طبيعتها أكثر من مرة ومن هذه المؤلفات معجزة القرآن ، رد على الملاحدة والعلمانيين ، المرأة في القرآن الكريم ، شبهات وأباطيل ،قصص الحيوان في القران الكريم ، الحج المبرور ، قصص الأنبياء ،الأدلة المادية على وجود الله واهمما على الإطلاق؛ تفسير الشعراوي مع مراعاة وجود بعض المغايرة بين النسخة المطبوعة من تفسير القرآن والتسجيل المرئي لخواطر الشيخ الشعراوي.
“وختامًا”
فقد ظل إمام الدعاة خادما للدعوة الإسلامية على أوسع نطاق ، وألقى الكثير من المحاضرات في أروبا وأمريكا وكندا والعديد من الدول الغربية لتصحيح المفاهيم الخائطة عن الإسلام ، وتفنيد الشبهات ، حتى لقي ربه في صباح يوم ٢٢صفر ١٤١٩ه/ ١٧ يونيو ١٩٩٨ ودفن خلف مجمع الشعراوي الذي بناه للأهل بلده دقاد وبقيت آثاره الخيرية والاجتماعية صدقة جارية وترك خلفه من إرث الأنبياء مالا يقدر على مكافأته إلا الذي خلقه.

بقلم الباحث “محمد أحمد عبد الله
الأربعاء ٦ مارس ٢٠٢٤ م , ٢٥ شعبان ١٤٤٥

ذات صلة: الإعجاز القرآني في ” حذف حروف المباني والمعاني “.. بقلم الباحث /محمد أحمد عبد الله

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك