الإعجاز القرآني في ” حذف حروف المباني والمعاني “.. بقلم الباحث /محمد أحمد عبد الله

0
0

كتب

المحرر والناشر الإلكتروني لجريدة صوت الشعب، الصادرة من وعن محافظة دمياط

الإعجاز القرآني في حذف حروف المباني والمعاني

في قوله تعالى :”سندعُ الزّبانية” (العلق:١٨)
يقول ابن عاشور: “وكتب ( سندعُ) في المصحف بدون واوٍ بعد العين مراعاةً لحالة الوصل ؛ لأنها ليست محل وقف ولا فاصلة.”
ويشير الإمام الزركشي إلى سر حذف الواو بقوله:” فيه سرعة الفعل ،وإجابة الزبانية وقوة البطش وهو وعيدٌ عظيمٌ ذكر مبدؤه وحذف آخره ،ويدل عليه قوله تعالى: “وما أمرنا إلّا كلمحٍ البصر”( القمر: ٥٠)
يشير البقاعيّ إلى سرّ بلاغي آخر فيقول:” المعنى في ذلك والله أعلم أن لا يظن أنهم دُعوا لرفعةٍ لهم في ذواتهم يستعان بهم بسببها ؛لأن معنى الواو عند الربانيين العلو والرفعة ؛ إشارة إلى أنهم لا قوة لهم إلا بالقوي العزيز أو يقال: إن الحذف دالٌّ على تشبيه الفعل بالأمر؛ ليدل على أن هذا الدعاء أمر لا بدّ من إيقاع مضمونه ،ومن إجابة المدعوين إلى ما دعوا إليه، وأن ذلك كله يكون على غاية الإحكام والإتساق بين خطه ومعناه والانتظام ،لا سيما مع التأكيد بالسين الدّالّ على تحتم الاتحاد والتمكين أو يكون المعنى: إنا ندعوهم بأيسر دعاء وأسهل أمر ؛ فيكون منهم مالا يطاق ولا يستطاع دفعه بوحه ،فكيف لو أكدنا دعوتهم ،وقوينا عَزْمتهم ؟!”
وفي الحذف كذلك إيجاز واختصار مراعاة لطول العنصر اللغوي في لفظة ( الزَّبانية) فحذف الواو حتى لا يثقل الكلام بالواو الممدودة ليتم التعادل الصوتي بين كلمات الآية وهو ملحظ دقيق جدًّا والله أعلم.
وقوله تعالى:” فإن يشأ الله يَخْتِم على قلبك ويمحُ الله الباطل ويحقُّ الحقّ بكلماته “(الشورى:٢٤)
حيث حذف الواو من قوله (يمحو) ولا مقتضى إعرابي لحذفها ؛ لأنها ليست معطوفة على المضارع المجزوم (يختم) قبلها ولأن ما بعدها وهو الفعل ( ويحقُّ) مرفوع معطوف عليها ،فدلت الصناعة النحوية على أنها هنا وفيما مر كان الحذف لعلة بلاغية.
وفي ذلك يقول الإمام الزركشي منوّها بحذفها ذاكرًا دليل الحذف وسره البلاغي:( ويمح الله الباطل) حيث حذفت منه الواو ؛علامة على سرعة الحق وقبول الباطل له بسرعةٍ بدليل قوله:” إنّ الباطل كان زهوقًا”(الإسراء:٨١)
وليس يمحُ معروفًا على يختم الذي قبله؛ لأنه ظهر مع يمح الفاعل وعطف على الفعل ما بعده وهو ويحقُّ الحقّ
قلت إن قيل؛ لم رُسم الواو في :” يمحوا الله مايشاء ويثبت”( الرعد: ٣٩)
وحذفت في ” ويمح الله الباطل”
قلت لأن الإثبات الأصل وإنما حذفت في الثانية لأن قبله مجزوم وإن لم يكن معروفًا عليه؛ لأنه قد عطف عليه ( يحقُّ) ،وليس مقيّدًا بشرط ، ولكن قد يجيء بصورة العطف على المجزوم وهذا أقرب من عطف الجوار في النحو والله أعلم .
ويقول ابن عاشور:” ويمح) مرفوع ، وحقه ظهور الواو في آخره ،ولكنهاوحذفت تخفيفًا في النطق ،وتبع حذفها في النطق حذفُها في الرسم ؛ اعتبارًا بحال النطق كما حذف واو:”سندع الزبانية “
وواو: ويدع الإنسان بالّشرّ.
وأرى والله أعلم أن هناك أسرارًا آخرى للحذف تضاف إلى ما سبق منها أن الحذف متسق اتساقًا واضحًا مع دلالة اللفظة المعجمية ،فلما كان الفعل ويمح يدل على المحو والإبعاد و الإزالة أُزيل منه حرف الواو ؛ تجانسًا وتشاكلًا مع تلك الدلالة، وهذا جليٌّ جدًّا لا يشك فيه شاكٌّ، وهو أوضح ما يكون في هذا الحذف بالذات فما أبدع هذا القرآن وأجلهه وأحكمه.
وفي الحذف إشارة أيضًا إلى سرعة محو الله عز وجل الباطل إذا شاء ذلك وكأنه لم يكن له وجود البتة ومعلوم أن نطق اللفظ دون الواو التي هي حرف مد واستطالة يختصر زمن النطق بها وهذا يعكس بلا شك سرعة محو الباطل وإزهاقه وهذا ما يفهم من كلام الإمام البقاعيّ بقوله: ” حذفت واوه في الخط في جميع المصاحف مع أنه استئناف غير داخل في الجواب ؛ لانه سبحانه يمحو الباطل مطلقًا إيماء إلى أنه سبحانه يمحق رفعه وعلوه وغلبته التي دلت عليها الواو ومطابقة بين خطه ولفظه ومعناه ؛تأكيدًا للبشارة بمحوه محوًا لا يدع له عينًا ولا أثرًا لمن ثبت لصولته.
وصبر كما أُمر لجولته؛ اعتمادًا على صادق وعد الله ؛ إيمانًا بالغيب وثقةً بالرسل عليهم الصلاة والسلام
وفي الحذف أيضا تشبيه له بفعل الأمر ؛ إيماء إلى أن إيقاع هذا المحو أمر لا بدّ من كونه على أتم الوجوه وأحكمها وأعلاها وأتقنها ، وأما الحق فإنه ثابت شديد مضاعف فلذا قال: ” ويحقُّ” أي: يثبت على وجه لا يمكن زواله ” فله درّ هذا الإمام الخطير والعالم الجهبذ القدير على استخراج هاتيك الأسرار من حذف حرف واحد من بنية الكلمة!

بقلم الباحث محمد أحمد عبد الله
الثلاثاء ٥ مارس ٢٠٢٤, ٢٤ شعبان ١٤٤٥

ذات صلة: كلمات ربي وآياته في القرآن الكريم دراسات قرآنية بقلم الباحث محمد أحمد عبدالله

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك