أم المؤمنين

الصديقة بنت الصديق

هي عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة، عبد الله بن عثمان من أشراف قريش، أفقه نساء الأمة، وأعلمهن بالدين وفقه الشريعة، وأكثرهن إحاطة بأدب العرب، وكانت رضي الله عنها تكنى بأم عبد الله، وقد تزوجها رسول الله صلى عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة.

كانت عائشة أم المؤمنين هي الوحيدة التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنى عليها بكرا دون أمهات المؤمنين جميعهن اللاتي تزوجهن كلهن ثيبات.

ولدت رضي الله عنها قبل الهجرة بنحو ثماني سنوات وكانت نفيسة بنت منبه قد خطبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عمرها ست سنوات، في صباها الباكر، وكان أبوها- رضي الله عنه- أقرب وأحب الناس إلى قلب وعقل ووجدان النبي صلى الله عليه وسلم.

وكانت رضي الله عنها أقربهن من قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبهن إليه، وأكثرهن رواية عنه، ولها خطب وآراء حديثية دقيقة مشهودة، وقد ثبتت في كتاب «الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة» وكانت فصيحة ذكية نبيهة، على قدر كبير من النباهة والزكانة والجمال والفصاحة.
وكانت إذا عرض لها موقف أنشدت فيه شعرا، وقرضت فيه نظما بديعا رائقا رائعا.
كان أكابر الصحابة يختلفون إليها يسألونها عن الفرائض وكثيرا من أحكام الدين فكانت تجيبهم بذكاء ونباهة.

ذكر ابن حجر في الإصابة، والإمام الطبري في تاريخه المعروف: مراسم زفاف عائشة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نقلناه بتصرف على لسان السيدة عائشة، تقول الصديقة بنت الصديق:

«جاء رسول الله إلى بيتنا، فاجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء، فجاءتني أمي وأنا في أرجوحة بين عذقين، فأنزلتني ثم سوّت شعري، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى إذا كنت عند الباب، وقفت بي حتى ذهب بعض نفسي، ثم أدخلتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا، فأجلستني في حجره، وقالت: هؤلاء أهلك، فبارك الله لك فيهن، وبارك لهن فيك»  .

ووثب القوم والنساء فخرجوا، وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، ما نحرت عليّ جزور، ولا ذبحت من شاة، وأنا يومئذ ابنة تسع سنين، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله» .

ثم حمل إليهما كذلك قدح من لبن، شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ثم تناولته العروس على استحياء فشربت منه» .
ماذا كانت شقة الزوجية التي أعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم المصطفى المجتبى المختار من خلق الله إلى العروس الصبية فاتنة قريش، وأم المؤمنين، التي بنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا دون نسائه أمهات المؤمنين الآخريات اللاتي كنّ جميعهنّ ثيبات؟؟
لم يكن بيت الزوجية الذي استقبل هذه العروس الحلوة الجميلة المليحة إلا حجرة ملحقة بالمسجد مشيدة من اللبن، وسعف النخيل، ولم يكن يحتوي فراشها فيها غير أدم حشوه ليف، ليس بينه وبين الأرض إلا الحصير، وعلى فتحة الباب أسدل ستار من الشعر.

هذا البيت المتواضع البسيط الذي مدّ أفياءه على خير مخلوق، وأكرم مبعوث، وأجمل عروس، وأذكى فتاة، وأكرم عقيلة، هذا البيت كان نموذجا ومثلا حيا للتواضع والزهد وصفاء العنصر، وعدم التكلف الذي يرغب إليه كثير من الناس، فإن الذي استدبر الدنيا، وأعرض عنها، واتجه للآخرة وسعى لها سعيها، يكون في كل أطواره ومختلف أحواله زاهدا في زخرفها متزجيا منها باليسير، متبلغا بالقليل، مكتفيا بما يسد الرمق.

وقد أثر عنها أكثر من ألفين ومائة وعشرة أحاديث. ولما أن بلغت من العمر ستا وستين سنة، وفي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان عام سبعة وخمسين للهجرة فاضت روحها البريئة إلى بارئها. وفي غسق الليل وعلى أضواء المشاعل، شيعت جنازتها الى بقيع الفرقد، فرضي الله عنها وأرضاها.

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك