{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً}

إن الإيمان بالملائكة إيمان غيبي ذلك لأنهم عالم غير مرئي، والإيمان بالجن إيمان غيبي، لأنهم عالم غير مرئي أيضا، والتصديق بالغيب كله إنما يقوم على قاعدة متينة ثابتة.

تلك القاعدة هي الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكل من استقرت نفسه على الإيمان صدّق -ولا ريب- بكل الغيبيات، ذلك لأن التصديق بالغيب شعبة من شعب الإيمان.

قال الله تعالى: {ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وقال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} .

وفي القديم أنكر أهل الاعتزال وجود الجن مع أن عالم الجن ثابت لا شك فيه بإخبار الله سبحانه عنه، يقول الإمام القرطبي في تفسيره: “أنكر معظم المعتزلة الشياطين والجن، ودل إنكارهم على قلة مبالاتهم وركاكة ديانتهم وليس في إثباتهم مستحيل عقلي، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم” ثم أورد القرطبي بعض الآيات الدالة على وجود الجن والشياطين كآية البقرة {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} وقال في آخر كلامه: “وسورة الجن تقضي بذلك”.

أما في عصرنا هذا فإن معظم المنكرين للجن من المفتونين بالحضارة المادية، ولم يضف هؤلاء دليلا جديدا يجعل الناس يفتنون (بقضية) إنكار الجن.

القرآن يخاطب الجن

لقد ورد لفظ الجن كثيرا في القرآن، وإن وروده بهذه الكثرة مما يستدعي انتباه المتأمل لآيات الكتاب. وفي كثير من الآيات يأتي لفظ الجن في مقابلة لفظ الإنس أو يأتي الخطاب لكل منهما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} فمن هما الثقلان إن لم يكونا نوعين مختلفين هما الإنس والجن؟ ويقول الله تعالى: {خَلَقَ الأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} .

وفي سورة الرحمن  يقول الله سبحانه: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} فهل يعني القرآن من الجن هنا إنسا غير معهود؟ هذا مع أن الذي يوجه الخطاب هنا هو الله نفسه فكيف يمكن أن يكون الجن عالما غير معهود لخالقه؟!

وفي القديم أنكر الجن بعض الفلاسفة قال الإمام القرطبي: “وقد أنكر جماعة من الأطباء والفلاسفة الجن وقالوا إنهم بسائط ولا يصح طعامهم اجتراء على الله وافتراء.. والقرآن والسنة ترد عليهم” كما أنكر الجن في عصرنا هذا – بعض الفرق كالقاديانية.

إن الكتاب والسنة يدلان دلالة واضحة على وجود عالم الجن بل ويحددان له كثيرا من السمات ، فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا كما يصفون أنفسهم هنا {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً} وإنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} وإنهم لا يعلمون الغيب ولم يعد لهم صلة بالسماء {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً}.

 

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك