• الدولة باعت الأرض بـ40 مليون وقيمتها الحقيقية 340 مليون
  • بيع الأرض تم بالفدان وليس بالمتر رغم أنها أرض فضاء وليست زراعية
  • أبو زيد اشتري الفدان بمليون جنيه وبعدها بشهورعرضه ب 12 مليون
  • أبراج أبو زيد مخالفة للقانون ولعقد البيع وتهدد ببطلانه

 

تحقيق : محمد أبو النور

 

كان اللواء محمد علي فليفل محافظ دمياط الأسبق يردد دائما لزواره أنه لا يجد لدمياط أرض ، فهي محافظة بلا أرض ، وأرضها موزعة علي الهيئات والأجهزة الحكومية : 42 % هيئة الثروة السمكية و 22 % هيئة الميناء وجهاز تعمير دمياط الجديدة و 15 % هيئة الأوقاف و 8 % هيئة الإصلاح الزراعي .

وانطلاقا من هذه الحقيقة المرّة طلب اللواء محمد عبد اللطيف منصور المحافظ الحالي من مجلس الوزراء التنازل عن مساحة من الأرض التابعة لهيئة الميناء وجهاز تعمير دمياط الجديدة ، والتي تخضع لقرار مجلس الوزراء رقم 546 لسنة 1980 وتبلغ مساحتها 30 ألف فدان تقريبا ، وذلك للاستفادة منها كظهير صحراوي للمحافظة واستغلالها في مشروعات الإسكان والمشروعات الخدمية والتنموية .

والواقع أن العجز الحالي الذي تشهده المحافظة في الأراضي هو حصاد الجهل والفساد السياسي وضيق الأفق الحكومي الذي ساد علي مدي السنوات الطويلة الماضية وتمثل في التفريط في الأراضي المملوكة للدولة بالبيع أو سوء الاستغلال بدون دراسة للاحتياجات المستقبلية من هذه الأراضي . ولعل أبرز النماذج التي تؤكد ذلك أرض مصنع الخشب المضغوط بفارسكور .

ولقد تناولت ” صوت الشعب ” قصة الأرض بالتفصيل علي مدي أعداد سابقة ، وكشفت عن الجرائم التي ارتكبتها الدولة في مصنع الخشب المضغوط : بداية من تدمير المصنع وكان يمكن استمراره بتغيير الإدارة أو تغيير النشاط ، ومرورا بالتفريط في مساحة الأرض الإستراتيجية بالبيع وكان يمكن استغلالها في تنمية المحافظة بالكامل ، ونهاية بالتقاعس في مواجهة البناء العشوائي المخالف الذي يجري داخل الأرض وكان يمكن التصدي له ووقفه منذ البداية .

وفي هذا العدد تواصل ” صوت الشعب ” فتح ملف أرض المصنع وعرض عقد بيع الأرض وهو أخطر وثيقة في الملف ، وتكشف القراءة المتأنية له عن مفاجـــآت مثيرة .

 

الكفراوي يصفى الشركة

 

وفقا لعقد بيع أرض المصنع المسجل برقم 305 لسنة 2007 بالشهر العقاري بدمياط فإن أرض المصنع عبارة عن ” أرض فضاء ” مقسمة لخمسة قطع بإجمالي 40 فدان و13 قيراط و 4 سهم ، تم بيعها مقابل 40 مليون و 362 ألف و 86 جنيه .

والطرف البائع في العقد هو الخبير الجيولوجي فاروق مصطفي عثمان بصفته المصفي القانوني لشركة فارسكور لتجارة الأخشاب ومواد البناء ( مصنع الخشب المضغوط سابقا ) ، والتي تملكت الأرض بقرار من المجلس التنفيذي للمحافظة برقم 915 لسنة 1963 تحت مسمي ” مشروع 79 صناعة ” .

وقد بدأت تصفية الشركة بقرار من المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق في 7 / 5 / 1994 بسبب سوء إدارتها وخسائرها التي تجاوزت رأس مالها ، حيث أن القانون يلزم بتصفية الشركة التي تتجاوز خسائرها نصف رأس مالها المصدر .

وكانت الأرض أخر الأصول المملوكة للشركة ، وتم بيعها بالمزاد العلني وتمت الترسية علي أحد التجار من قرية شرباص التابعة لمركز فارسكور بقيمة إجمالية 18 مليون جنيه ، سدد منها 3 مليون كمقدم وتم الاتفاق علي تقسيط باقي المبلغ خلال سنة . وعندما تعثر المشتري في سداد أحد الأقساط قام المصفي القانوني فاروق مصطفي عثمان بإلغاء الاتفاق وتحويل مقدم التعاقد إلي وزارة المالية . وتمت إعادة المزاد والترسية علي تاجر أخشاب قادم للمصادفة البحتة من مدينة الإسكندرية بلد المصفي القانوني .

 

علامات استفهام حول الثمن البخس

 

اشتري علي أبو زيد محمد إبراهيم تاجر الأخشاب القادم من مدينة الإسكندرية أرض المصنع مناصفة مع شقيقه محمد ، ووقع علي عقد البيع عن نفسه وعن شقيقه بتوكيل رسمي .

ولقد جرت عملية البيع في ظروف غامضة عليها علامات استفهام كبيرة : منها أن الأرض تم بيعها بالكامل دفعة واحدة ، ولم يتم تجزئتها والتدرج في بيعها لتعظيم العائد من ورائها . ومنها أن الأرض تم بيعها بالفدان وليس المتر ، رغم أنها ليست أرضا زراعية بل ” أرض فضاء ” حسب وصف عقد البيع نفسه .

والأخطر من ذلك أن الأرض تم بيعها بسعر مليون جنيه للفدان الواحد وهو ” ثمن بخس ” أقل بكثير من قيمتها الحقيقية .

والشاهد علي ذلك أن أبو زيد عُرض عليه بعد شهور قليلة من شراء الأرض بيع 3 فدان لتاجر من مدينة الروضة ب 15 مليون جنيه فرفض ، وكان رده أنه ” يبيع بالمتر وليس بالفدان ” وأن ” سعر المتر 4 آلاف جنيه ” .

وبحسبة بسيطة .. مساحة الفدان 4200 متر مربع وبعد طرح مساحة الشوارع والخدمات يكون صافي الفدان 3000 متر مربع تقريبا ، بالسعر الذي طلبه أبو زيد يكون الإجمالي 12 مليون جنيه . أي أنه في نفس السنة التي باعت فيها الدولة أرض المصنع بسعر مليون جنيه للفدان الواحد كان المشتري يطلب علي الفدان الواحد 12 مليون جنيه !

والشاهد الثاني علي أن الأرض تم بيعها ب ” ثمن بخس ” أقل من قيمتها الحقيقية أن أبو زيد يمتلك حاليا أبراج مخالفة داخل الأرض بإجمالي 200 شقة تقريبا ، ويعرض الشقة بسعر 300 ألف جنيه . وبحسبة أخري بسيطة فإن الإجمالي يصبح 60 مليون جنيه .. أي أنه يستطيع تحصيل الثمن الذي اشتري به الأرض وتكاليف البناء من عائد بيع شقق أبراج لا تتجاوز مساحتها الفدان الواحد !

 

عشرات الملايين مهدرة

 

طبقا لقانون المزايدات والمناقصات رقم 89 لسنة 1998 فإن أراضي الدولة يتم بيعها بالمزاد العلني لأعلي سعر بشرط ألا يقل عن القيمة الأساسية للأرض . وتحديد القيمة الأساسية للأرض يتم قبل المزاد بمعرفة لجنة مختصة من الخبراء .

وبسبب السرية التي يفرضها القانون فإنه من غير المعروف القيمة الأساسية التي تم طرح أرض المصنع في المزاد العلني علي أساسها ، ولا علي أي أساس تم تقديرها ، سواء في المزاد الأول الذي تمت الترسية فيه علي 18 مليون جنيه أو في المزاد الثاني الذي تمت الترسية فيه علي 40 مليون جنيه . لكن المعروف والمؤكد أن فارق سعر الأرض بين المزادين يؤكد أن الأرض تم بيعها ب ” ثمن بخس ” أقل من قيمتها الحقيقية خلال المزاد الأول .

وكذلك المعروف والمؤكد علي وجه اليقين أن الأرض في المزاد الثاني أيضا تم بيعها ب ” ثمن بخس ” أقل من قيمتها الحقيقية . لأننا لو قسمنا ال 40 مليون جنيه حصيلة البيع علي 170 ألف متر مربع مساحة الأرض لوجدنا أن المتر الواحد تم بيعه ب 235 جنيها تقريبا ، في حين أن قيمته الحقيقية لن تقل عن ألفي جنيه بل تزيد عن ذلك لأن الأرض نصفها يطل علي النيل ونصفها الأخر يطل علي طريق دمياط المنصورة الشرقي .

والقيمة الأساسية للأرض التي كان ينبغي الطرح عليها خلال المزادات هي 340 مليون جنيه هي قيمة الأرض بسعر 2000 جنيه للمتر . أي أن البيع في حقيقة الأمر أهدر علي الدولة 300 مليون جنيه هي الفرق بين القيمة الحقيقية وحصيلة البيع الفعلية .

 

 

 

البرادعي يصحح أخطائه

 

ولقد يقال أن الدولة باعت أرض المصنع ب 40 مليون جنيه استنادا لوقوعها خارج كردون مدينة فارسكور ، وأن هذه هي قيمتها الحقيقية لأنها لا يجوز استغلالها أو التعامل عليها كأرض بناء . لكن ذلك القول فضلا عن أنه مخالف للواقع والحقيقة فإنه مخالف لمجريات الأحداث منذ بيع الأرض سنة 2007 حتي اليوم . وذلك لأن الدولة التي باعت الأرض بهذا الثمن البخس استنادا لوقوعها خارج الكردون هي نفسها الدولة التي كان يمثلها الدكتور محمد فتحي البرادعي محافظ دمياط الأسبق عندما أصدر قرارا برقم 180 لسنة 2007 باعتماد التخطيط التفصيلي لأرض المصنع كأرض بناء بعد أسبوع واحد من تسجيل عقد بيعها لعلي أبو زيد وشقيقه . بل إن قرار البرادعي استند إلي موافقة مجلس محلي المحافظة في جلسة سبقت توقيع عقد البيع ب 12 يوما !

ولقد كشفنا في تحقيق سابق المخالفات التي تضمنها قرار البرادعي ، ويكفي للتأكيد علي صحة ما قلناه أن البرادعي نفسه قبل رحيله عن المحافظة وتوليه وزارة الإسكان أصدر قرارا يلغي بمقتضاه القرار 180 إدراكا واعترافا متأخرا منه بأن إصداره كان خطأ جسيما .

 

الفلول والإخوان إيد واحدة

 

وكذلك فإن الدولة التي باعت الأرض بهذا الثمن البخس استنادا لوقوعها خارج الكردون هي نفسها الدولة التي كان يمثلها ثلاثة مسئولون سابقون بالمحافظة حاولوا ضم الأرض للحيز العمراني لمدينة فارسكور بالضغط علي مجلس محلي المدينة في عصر مبارك ، وهي نفسها الدولة التي كان يمثلها اثنين من نواب جماعة الإخوان واصلوا محاولات ضم الأرض للحيز بالضغط علي هيئة التخطيط العمراني في عصر مرسي ، وهي نفسها الدولة التي يمثلها بعض مسئولي مجلس مدينة فارسكور يواصلون الجهاد في سبيل ضم الأرض للحيز حاليا .

 

أبراج أبو زيد تهدد ببطلان العقد

 

وكما أن الدولة لم تكن معذورة في بيع الأرض بذلك الثمن البخس استنادا لوقوعها خارج الكردون ، فإن علي أبو زيد لم يكن معذورا في البناء المخالف داخل الأرض ، لأنه يعلم يقينا أن الأرض خارج الكردون بحسب أخر تخطيط عام معتمد لمدينة فارسكور سنة 1992 ، وبحسب عقد البيع نفسه الذي نص ويتلاحظ أنه قد أشر القلم الهندسي بفارسكور علي كشف تحديد الطلب الحالي بتأشيرته المؤرخة 15 / 4 / 2007 بأن التعامل جميعه خارج كردون مدينة فارسكور ” . أي أن أبو زيد بأبراجه لم يخالف القانون الذي يجرم البناء خارج كردونات المدن فقط ، بل خالف أيضا عقد البيع الذي وقع بنفسه عليه !

والبناء داخل الأرض تصرف باطل مخالف للقانون ولعقد البيع الذي نص صراحة علي أن ” التعامل جميعه خارج كردون مدينة فارسكور ، وبطلان التصرف قانونا أمر قد يهدد ببطلان عقد البيع .

 

7 سنوات بلا ضرائب

 

ومنذ شراء أبو زيد للأرض لم يدفع مليما واحدا للدولة كضريبة عقارية ، لأن قانون الضرائب العقارية الحالي أعفي الأرض الفضاء غير المستغلة من الضريبة ، بعكس القانون السابق الذي فرض عليها ضريبة سنوية تقدر ب 2 % من قيمتها ، وقد تم إلغاء هذا النص بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته في حكم شهير في بداية التسعينات .

لكن الأمر اختلف مع بدء البناء المخالف داخل الأرض قبل ثلاث سنوات ، حيث أن الضرائب العقارية تتعامل ضريبيا علي المباني المخالفة ، بما فيها المباني القائمة علي الأراضي الزراعية وصدر لها قرارات إزالة من الوحدات المحلية المختصة ، بدون أن يعني تحصيل الضريبة إقرارا بمشروعية المخالفات أو تقنينا لوضعها .

وهذا ما يتم دراسته داخل مصلحة الضرائب العقارية بفارسكور ، حيث تقوم المصلحة حاليا بحصر جميع مخالفات أرض المصنع وتقدير قيمتها تمهيدا لتحصيل الضريبة المقررة عليها قانونا .