برنارد لويس

وفاة برنارد لويس عن 101عام

ولد لويس في 31 مايو عام 1916 لأسرة يهودية من الطبقة الوسطى في لندن، وما إن أتم تعليمه العام، حتى التحق بجامعة لندن، وهناك اجتذبته دراسة التاريخ واللغات السامية، فأتقن العبرية والعربية والآرامية والفارسية والتركية، وأجاد اللاتينية واليونانية نطقا وكتابة.

عكف لويس على قراءة التاريخ والتراث الإسلامى المنشور منه والمخطوط، حتى أصبح واحدا من كبار المستشرقين الذين يُشار إليهم بالبنان، وقد حصل على درجة الليسانس الممتازة في التاريخ من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن عام 1936، كما حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي عام 1939، وكان موضوع رسالته عن “الطائفة الإسماعيلية وجماعة الحشاشين”.

وقبل حصوله على درجة الدكتوراه بعام واحد، عُين مدرساً مساعداً بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية، لكنه ترك العمل الأكاديمي خلال نشوب الحرب العالمية الثانية (1940 – 1945)؛ ليلتحق بخدمة المخابرات البريطانية، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، عاد للعمل بالجامعة حتى عام 1974، لكن صلته بالمخابرات البريطانية لم تنقطع، فقد ظل مرجعاً هاماً، يستشار في كل صغيرة وكبيرة تتصل بشئون الشرق الأوسط.

غير أن لويس سرعان ما وعى ببصيرته التاريخية أن بريطانيا تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، قد أصابها داء الأمم من قبل، وأن الولايات المتحدة صارت الوريث الشرعي لنفوذها في العالم، فأقبل على جامعة برنستون الأمريكية –إحدى أهم الجامعات الأمريكية السبع ـ بقلمه المسنون ضد “الشرق الإسلامي” حتى صار كرسيه لتاريخ الإسلام والشرق مقصدا لصناع القرار الأمريكي فيما يتخذونه من إستراتيجيات حيال المنطقة.

صداقة لويس – والقرابة الأيديولوجية – مع صقور الحرب الباردة من أمثال السناتور “هنري م. سكوب” و”جاكسون دي-واش” فتحت له أبوابًا بارزة في العاصمة واشنطن، مما أعطى لـ لويس مكانةً أفضل في البيت الأبيض، كما أتاحت له احتساء القهوة مع قادة إسرائيل، ومنهم رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير.

وضع لويس تصوره العام عن الإسلام والمسلمين في أكثر من ثلاثين كتابا، ومئات المقالات التي أغرق بها الصحف الأمريكية، فضلا عن المحاضرات التي كانت تستقطب روادا كُثر حول العالم، وعبر تلك المنابر انتقل لويس من دراسة التراث والتاريخ الإسلامي إلى وضع معالم “الشرق الأوسط الجديد” الذي يستند على بعث القوميات والنزعات العرقية والانقسامات الطائفية وصعود “التيارات المتشددة” للهيمنة على مستقبل المنطقة.

كثيرا ما جادل لويس بأن مشاكل الشرق الأوسط كانت في معظمها ذاتية، ولم تكن مجرد أمراض موروثة من الاستعمار أو التدخل الخارجي، وأشاد بالإسلام باعتباره إيمانًا عظيمًا، لكنه قلق من أن يتم اختطافه بسبب التعصب والغضب.

ومع ذلك الإطراء الذي يبديه حينا للإسلام، فقد لعب لويس دور المُّنظّر لليمين المحافظ في أمريكا، وهاجم الإسلام والمسلمين مرارا، فكان أول من كرّس لظاهرة “الإسلاموفوبيا”، مدعياً أن جوهر الإسلام والمسلمين هو القضاء على غير المسلمين باعتبارهم كفاراً، وقال يجب ألا ننسى: “أن معظم المسلمين ليسوا أصوليين، ومعظم الأصوليين ليسوا إرهابيين، ولكن معظم الإرهابيين في العالم اليوم هم من المسلمين”.

واعتبر لويس أن التأخر الحضاري للمسلمين يعود إلى الانغلاق اللاهوتي على حد وصفه، وأن الإسلام يفتقر إلى النقد التاريخي للنصوص الدينية، وأن مبادئ الإسلام لا تنسجم والحداثة.

وفي أعماله – بما في ذلك الكتب الأكثر مبيعًا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، “ما الخطأ”؟ عام 2002، و”أزمة الإسلام” عام 2003، استقطب لويس بشكل متزايد جمهورًا واسعًا، وسعى لشرح وجهات نظر المسلمين، لكنه أيضا وبخ القادة الغربيين لفشلهم في إدراك مدى وصول جماعات مثل “القاعدة” إلى واجهة المشهد العالمي.

وبدت أعمال لويس مُتبنية بصورة أكبر لمبادئ “صدام الحضارات”، حيث قال عن المسلمين في صدر كتابه “الإيمان والسلطة” عام 2010: “هناك موجة متزايدة من التطرف والحماسة المعادية للغرب.. إما أن نوفر لهم الحرية أو يدمروننا”.

وقد نفى مراراً وتكراراً تأييده لغزو العراق، قائلاً، إنه كان يدعو إلى تقديم مساعدات أكبر إلى الأكراد المتحالفين مع الغرب في شمال العراق كقوة موازية لنظام بغداد.

غير أن مخطط ما يعرف بـ”الشرق الأوسط الكبير” ظهرت بشكل أكبر في كتابه”مستقبل الشرق الأوسط”، حيث أكد أن الشعوب في المنطقة يجب أن تتخلى عن قيمها وتراثها وتاريخها، وأن تسلّم للقوى الأخرى بالهيمنة والسيطرة.

وشدد لويس بأن الدول العربية هي الأكثر تعرضا لخطر التفكك، وأنها ليست الوحيدة، فالاتجاه نحو التفكك سيزداد بتشجيع من الشعور الإثني والشعور الطائفي المتناميين، وقد تسربت الفكرة المُغرية بحق تقرير المصير إلى عدد من الأقليات الإثنية.

وشرح لويس خطوات تفكيك الدول، وجمعها في قوله: “إن غالبية دول الشرق الأوسط مصطنعة وحديثة التكوين وهي مكشوفة لعملية كهذه. وإذا ما تم إضعاف السلطة المركزية إلى الحد الكافي، فليس هناك مجتمع مدني حقيقي يضمن تماسك الكيان السياسي للدولة، ولا شعور حقيقي بالهوية الوطنية المشتركة، أو ولاء للدولة الأمة، وفي هذه الحال تتفكك الدولة مثلما حصل في لبنان إلى فوضى من القبائل والطوائف والمناطق والأحزاب المتصارعة”.

تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي، التي رأى فيها لويس البلد النموذج في الشرق الأوسط بنظامها العلماني، ورشحها لأن تلعب الدور الأول مع إسرائيل في سياسات الشرق الأوسط لخمس عقود قادمة.

هذا التناغم الذي أظهره لويس لتركيا، ربما استمده من دراساته المستفيضة من خلال دراسته للأرشيف العثماني، أو لعلاقة الحب التي جمعته بأميرة عثمانية سابقة.

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك