طلعت مصطفى العواد

قتلت ولدى . قصة قصيرة

 

 

لم تهدأ ثورته تشتعل ولا تنطفىء .بركان قاذف لظاه على أحبائه حتى زوجته ، تتوارى خجلا منه .تنكسر داخل ذاتها كى تكتم انفاسها تحاشيا للفضائح ، حاولت جاهدة الابقاء على كرامتها المبعثرة .

رغم ذلك لم يرحم توسلاتهاالمتلاحقة، ولم يقف لحظة يراجع نفسه املا فى الإصلاح ، إنه يملأ البيت قلقا اضطرابا خوفا وانكسارا .

صوته اللامتناهى يختلط بنبرات الإجرام الفاقد للعقل ، دائما يزلزل جنبات البيت والجيران فكروا فى الخلاص من منازلهم بابخس الأثمان هربا من إجرامه . صرخات الاستغاثة تنطلق باستمرار من ولده ادهم مرات عديدة فى اليوم والليل طلبا لنجدة الأم بطش أبيه ، لقد باع سيارت الاجرة وأثاث المنزل قطعة قطعة تلبية لشهقة دخان الحشيش مجرد دخولك

البيت تجدالأسرة التى ينامون عليها استبدلت بقطعة حصير تفترش الارض بلون مهترىء ، الجدران زركشتها زفرات الدخان ،لكآبة تقبض النفس ، مجرد رؤية

الحجرة تأتى رغبة القىء مسرعة من هول هذا المنظر ،

تذكرته زوجته منذ خمس سنوات وهو يطرق بابه لخطبتها . فقد كان وسيما فارع الطول الوقار والحكمة هما خطواته . ملتزما بالصلاة محبوبا . كان أول من ركب سيارة بيجو تنقل الناس من دمياط للقاهرة ، مطلوب دائما من الناس و يأمنونه على انفسهم وأولادهم بل امتلك حب المسئولين بالسفارات

العربية كان يتوسط للناس فى إنهاء طلباتهم المستعصية للتعاقد اوالعمرة وغيرها ، سالت عنه قبل الخطبة الكل أثنى عليه سمعته الطيبة فاقت حدود المحافظات وأجمل الفتيات تود الارتباط به . كل ذلك أجبرنى على الموافقة الفورية ليكون زوجا ، قالت الزوجة : نعم قضيت أحلى سنوات العمر معه خمس سنوات السعادة ترفرف علينا . راحة البال هى هدفنا نحن نسعد أنفسنا ونسعد غيرنا و عندما انجبت ابنى أدهم إمتلأ البيت حيوية ،حركاته البسيطة تلهب مشاعرنا نطير بها فرحا ، لكن تغييرا مفاحئا حدث و إنقلبت السعادة حزنا

و من حب الحياة إلى تمنى زوالها ، حاولت كثيرا الخلاص منه ، فى كل مرة نظرات ابنى أدهم تمنعنى ، تمنيت يوما أن تعود السعادة الفائتة ، من أجل ولدى اتحمل اقبض على جمر النار فى صمت صبور ، تلهفت كثيرا لمعرفة السر الدفين للانفجارات المتوالية فى حياتنا ولماذا انقلب زوجى إلى دمار أهله ونفسه وبيته ؟ لا بد من نقطة بداية لطريق الجحيم الذى سلكه ، كل ذلك يزيدنى إصرارا لمعرفة سرها ، كى أجد طريقا لإصلاحه . آه تذكرت الصديق الذى ارتبط به إنه الاسطى مغارى ، فى سرعة فكرت فى حيلة ، زرت زوجته كى اجد خيطا رفيعا أنقذ به زوجى ، من اول نظرة لبيت مغاورى تطابقت المشاهد صورة كربونية لبيتى . حصيرة . غبار أسود تركت بصماته على جدران ملوثة ، لكن الذى إختلف حصيرة كبيرة ووسائد متربة مزيتة توحى أن جماعة تستخدم المكان ، عيناى لمحت الحزن المكبوت داخل زوجةمغاورى فكلتانا تعيش فى بوتقة واحدة ، ومن أول عبارات الحديث تصادقنا

 

وبحنا لبعض بمكنون الصدر ، ومنها عرفت أن أول زيارة من زوجى لهذ المكان لمقبض للنفس كانت هى نفس التوقيت للتغيير الانقلابى فى حياتنا ، 

لقد أتى زوجى بناء على طلب مغاورى الملح ليقوم بتوصيل احد الاصدقاء إلى لقاهرة وأصر مغاورى واجبر زوجى على الصعود لتناول واجب الضيافة حتى ينتهى الصديق من تجهيز حقيبته ، تناول كوبا من الشاى الذى يشربونه ، فإذ

بزوجى يشعر بنشاط غير عادى وهمة عالية فقال لمغاورى شايكم لذيذ ساحر ماسر هذا الشاى ؟ فأجاب :إنها حبة السعادة تجعلك حصانا لا تتعب من مجهود . ومن وقتها تردد زوجى كثيرا على مغاورى ، عرف الأنواع الاخرى 

دربوه على كيفية استعمالها ومن كثرة ما شاهد عمليا صار خبيرا بها مولعا وعاشقا لكل الأنواع حشيش هيروين

وغير ذلك ، لا يقدر عن الانفكاك منها لحظة . كل من يحاول من أحبائه النصح وإزاحته من هذا الطريق يتخذه عدوا بل يقاومه بشدة حتى وربما أشهر السلاح فى وجه من يمنعه ويحول بينه وبين مزاجه القهرى ، إنه بستطيع

التنازل عن أى شىء غال فى حياته من ولد ومال واهل لما لا ؟ فقد أهمل عمله. باع سيارته والخسارة لحقت بأثاث المنزل باعه قطعة قطعة ، ونهايته صار أجيرا عند مغاورى سائقا عنده يسخدمه فى نقل المواد المخدرة ، هول المفاجاة شل تفكيرى دغدغ عقلى وتساءلت لماذا يتركنا المجتمع والأهل

فى هذه الماساة ، إنها اكبر منى لا أقدر على التصرف ، ها أنا عرفت سبب علة حياتنا وضعت يدى على المرض لكن ما العلاج ؟ وما سبيل الانقاذ ؟ احتضنت رأسى بيداى من شدة تفكيرى وضعت هدفا وحيدا كيف أنقذ زوجى كيف أحمى

بيتى كى تعود سعادتنا التى صارت اشلاء تنزف . إنى اشتقت لنسمة من نسمات السعادة الفائتة ،تشاورت مع أهلى قصصت عليهم ما عرفت من زوجة مغاورى لعلى اجد حلا وعونا

منهم فأشاروا على بشيئين هما أولا : منع زوجى من مقابلة مغاورى وقطع العلاقة بينهما نهائيا باى طريقة،

ثانيا : علاج زوجى فى مصحة نفسية لتحريره من قبضة الادمان . وبالفعل اتصلوا بمصحة نفسية . طلبوا خمسة آلاف فى الشهر وهذا يتطلب الرغبة من زوجى فى العلاج وإدراك اهميته ، ونحن نبحث كيف نأتى بمصاريف للعلاج

والمستشفى تشترط دفع ثلاثة آلاف جنيه مقدما . جاء النبأ مدويا لنا . تم القبض على مغاورى ومن معه وتحريز المخدرات التى فى شقته . قلت وزوجى ؟

قالوا : هرب بسيارة مغاورى .

فى لحظة مثيرة طرقات مذعورة على باب شقتى ترددت فى فتح الباب خوفا أن كون مباحث المخدرات ومع الاستمرار فتحت الباب . إذ بزوجى يستنجد بى لأول مرة منذ سنوات طالبا الاختباء أعلى المنزل بعيدا عن اعين الشرطة ، 

وقال تركت السيارة فى شارع جانبى لا تقلقى ليس معى شيىء ، لم يسعفه الوقت فى غلق باب السيارة بالمفتاح .خاف النزول مرة ثانية حتى لا تدركه أعين المباحث كان ابنه أدهم يلهو فى مع أقرانه فى الشارع يلعب معهم لعبة الاستغماية .

حاول التخفى من أصدقائه فى شارع جانبى . لمح السيارة تقوقع خلفها حتى لا يراه أصدقائه استمر لحظات . فشل أقرانه فى الوصول إليه ، بفضول طفولى عبثت أنامله بالباب فاستجاب له دخل السيارة ، اغلق الباب لكن سكون الجو

داخلها أخافه ، حاول الخروج أكثر من مرة لم يفلح يبدوا أنه أغلق مفتاح المسوجر دون ان يدرى كما أن زجاج السيارة أسود لم يظهر من بداخل السيارة ، شعر أدهم الجوع إنه لم يتناول إلا ساندويتشا فى الصباح ، عبث بالسيارة وجد لفافة بنية اللون، ظن أنها عجوة فتناولها من شدة الجوع ثم وجد ورقة سلوفان بها بودرة بيضاء تشبه السكر المطحون تناولها بلا وعى ، فقد لعب الحشيش برأسه تذكر منظر والده وهو يستنشقها فقلده وفعل مثله ، ثم هم بتناول حبات على هيئة حلوى رفع يده لأخذها فلم تصل لها وقعت مدلاة على الكرسى راح فى غيبوبة كاملة ، فى الليل لم يصل أدهم لمنزله طال غيابه .بحثواعنه فى كل مكان ، لم يعثروا عليه وكأنه فص ملح وذاب ، ذاع خبر اختفاءأ دهم فى المدينة كلها ، كل فرد يسعى بكل قوته للبحث عنه ومساعدة أم ادهم

 

لكن محاولاتهم باءت بالفشل ، ام أدهم لم يمغض لها جفنا . هدها الانهاك والتعب من هول البحث ، كيف تهدأ وادهم بعيد عنها إنه شعاع الأمل الوحيد فى هذه الحياة ودواء صبرها على أبو أدهم ، بعد ان انصرفت الشرطة وانتهت من القبض على مغاورى واتباعه . نزل أبو أدهم فى ترقب إلى الشارع فاتحا باب سيارته بلهفة وحذركى يتخلص من المخدرات حتى لا يتم القبض عليه متلبسا ، هم بفتح باب السيار ة . فوقع بطوله على الأرض كالصاعقة من أثر المفاجأة . تجمع الناس من كل صوب إذ بأدهم جثة هامدة ، وفى دقيقة وقف أبو أدهم مفزوعا منطلقا يجرى فى الشوارع صارخا بلا

 

وعى قائلا : أنا الذى قلت ابنى أنا الذى قتلت ابنى أنا الذى قتلت ابنى ، تالمت المدينة باتت فى غم لم تعهده من قبل . الحزن كسى كل شىء حتى ،السماء نظرتها حزينة والهواء كئيب ، الارض تحمل الناس فى ضيق وضجر، 

شعر الناس بحجم المأساة وعرفوا أن كل شاب فتاة رجل وطفل من السهل جدا أن بكون ضحية مثل أدهم ، فلا يأمن أحد مكر تجار واصدقاالسوء وكيدهم ، تكلم العقلاء والمسئولون والشباب والرجال فى هذه القضية ، خرجت ام ادهم من صمتها قائلة: نحن جميعا مسئولون عن موت ادهم وخراب بيتنا وبيوت الكثير فى المدينة . ذنب ابنى فى رقبتكم جميعا . أليس منكم رجل رشيد يفكر ساعة

فى بلده لمنع هذه المأساة، وقع كلامها كالسهم فى قلوب الحاضرين . فدعا رئيس المدينة الجميع لاجتماع

بعد صلاة العشاء فى مركز الشباب لمناقشة المشكلة ووضع حلولا لها تكون وقاية من هذا الخطر المدمر.، وفى الاجتماع اتفق الجميع على شن حملة فى المساجد يقوم بها الخطباء للتوعية الدينية من خطر الادمان على الفرد والمجتمع والوطن وعمل مسابقات بين فئات المجتمع فى تلخيص كتاب الادمان حياة وأزمة .، كما أن المدارس تعد نشرة مطبوعة يتم توزيعها ، وحصر تجار المخدرات والمدمنين لنصحهم دينيا وإقناعهم بالعلاج وتوفير عمل للعاطلين منهم ، كذلك عمل دورى رياضى يحمل ادهم ، أما أ بو أدهم سار يتخبط فى الطرقات و من مسجد إلى مسجد وفى المسجد

المجاور لبيته جلس بجوار الإمام مبديا ندمه وخطيئته . فبشره بمغفرة من الله وأن الله تواب رحيم ثم عرض على أدهم العلاج حتى يعود مثلما كان فوافق على الفور ، تكفل أحد القادرين بعلاجه تحسنت حالته بسرعة . علمت زوجته بتوبته وندمه ، زارته على استحياء فى المستشفى . فما زال شبح موت أدهم أمامها ولم تنس أنه السبب فى موته ، عندما رأت أبوادهم ى المستشفى وجدته إنسانا مختلفا ، 

أحست أن ريح أيام السعادة الفائتة سيأتى فقالت : الحمد لله قال لها

الزوج : على سلامتى . قالت نعم ولكن أقصد شيئا آخر . قال الزوج ما هو

؟ قالت : لك عندى شىء كدت أتخلص منه لولا أنى رايتك اليوم

قال ما هذا الشىء أنا لم اترك لك شيئا جميلا،

ونظرت لإمام المسجد ثم نظرت لزوجها ونظرها لأسفل ثم قالت : إن فى بطنى

جنين منك كنت اخفيت هذا السر عنك

قال الحمد لله . قبل الله توبتى وعوضنى عن ابنى أدهم فلنسميه أدهم الجديد

  طلعت مصطفى العواد

  مدينة السرو بدمياط:-أثر الانتخابات فى سلوك الطفل.. بقلم /طلعت العواد

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك