د. حافظ موسى

الموت حقيقة قاسية

تواجه كل حى فلا يملك لها رداً، وهى تتكرر فى كل لحظة ويواجهها الجميع دون إستثناء ، تواجة أهل الدنيا فلا يستطيعون لها رداً ولا يملكون لها دفعاً حقيقة.

نعايشها مرة بعد مرة والناس سواء أمام هذة الحقيقة والمصير المحتوم يواجهها الآباء والأبناء و الأغنياء و الفقراء والضعفاء والأقوياء وأهل الشجاعة والجبناء يقفون منها موقفاً موحداً لا يستطيعون لها حيلة ولا يملكون لردها وسيلة إنها حقيقة النهاية والفناء والموت الذي لا مفر ولا محيد من الاستسلام له ولا يملك البشر حياله شيئاً.

قال تعالى:- (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ  ).

إن نهاية الحياة واحدة فالجميع سيموت لكن المصير بعد ذلك يختلف، (فَرِيقٌ فِى الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى السَّعِيرِ) وفى الموت عظة وتذكير وتنبيه وتحذير، وكفى به من نذير. 

قال تعالي : { كفى بالموت واعظاً } والموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التى طعمها أكره وأبشع، وأنه الحادث الأهدم للذات والأقطع للراحات والأمنيات. ولكننا مع الأسف الشديد نسيناه أو تناسيناه وكرهنا ذكره ولقياه مع يقيننا أنه لا محالة واقع وحاصل،.

والعجب من عاقل يرى إستيلاء الموت على أقرانه وجيرانه وكيف يطيب عيشه, وكيف لا يستعد له, إن المنهمك فى الدنيا، المكب على غرورها المحب لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت، ومن لم يتذكر الموت اليوم ويستعد له فاجأه فى غده وهو فى غفلة من أمره وفي شغل عنه ولكن كثيراً من الناس, يضيع عمره فى غير ما خلق له.

ثم إذا فاجأه الموت صرخ (رَبِّ ارْجِعُونِ) ولماذا ترجع وتعود (لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)حتى الرد صادم (لعلى) لأنه عاش على التسويف واللهو والغرور وأين أنت عن هذا اليوم أيها الغافل, ألا تعمل وأنت فى سعة من أمرك وصحة فى بدنك، ولم يدن منك ملك الموت بعد، فحامل الجنازة اليوم محمول غداً ويُترك وحيداً فريداً فى قبره مرتهناً بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

ولكن ما أقل من اتعظ وما أنذر من اجتهد، واستفاد من كل لحظة من لحظات عمره في طاعة ربه وتحسر على كل وقت أضاعه بدون عمل صالح يقربه إلى الله، ونحن نعلم أن وراء الموت القبر وظلمته، والصراط ودقته والحساب وشدته، أهوال وأهوال لا يعلم عظمها إلا الله.

القبر هو أول منازل الآخرة فكيف بنا أهملنا بنيانه وليس بيننا وبين الانتقال إليه إلا أن يقال فلان مات , (القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه ومن لم ينج منه فما بعده أشد منه) نظرة واحدة بعين البصيرة فى هذا القبر والله سوف تعطيك حقيقة هذه الدنيا فبعد العزة وبعد الأموال وبعد الأوامر والنواهى وبعد الخدم والحشم وبعد القصور والدور.

أهذه هى نهاية ابن آدم فى هذه الحفرة الضيقة المظلمة يتمنى المرء بعد موته لو عاد إلى الدنيا مرة أخرى ليكثر من أعمال البر والخير و التصدق على الفقراء والمساكين (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِى أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).

وقال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. 

بل أن المُقصِّر يتأسف على تقصيره في جنب الله تعالى، ويود لو عاد به الأمر حتى يكون من المحسنين، قال تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ  أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَدَانِى لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ  أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. 

اللهم أحسن خاتمتنا، و توفنا وأنت راض عنا
اللهم هون علينا سكرات الموت
اللهم اغفر لأبائنا وأمهاتنا و لمن له حق علينا
اللهم اغفر لجميع موتي المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة و ماتوا علي ذلك.

 

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك