كلمات ربي وآياته في القرآن ال

“السلام مع الله ، طريقة السكنية” 

الاثنين ١٥ ابريل ٢٠٢٤

قِلَّةُ إحساسِ الإنسانِ بما يتمتع به من نعمٍ غامرةٍ تُورثُه السَّخَطَ وعدمَ الرضا، ربما لأنها فقدت قيمتَها في نظرِه بطُول إلْفِها له وعدم مُفَارقتها إياه ، أو لسهولة حصوله عليها، فتراه مُحقِّراً ما عنده معلنا التمرد على الأقدار، ومُجاهرة الحقِّ ـ سبحانه ـ بالعصيان .

ولو أنه رضي بواقعه، وأحسن استغلالَ ما لديْهِ لَنَعِمَ بالسلام مع الله، لكنه يشتهي الدنيا بجنونٍ يُفْقِدُه العفاف والسكينة والطمأنينة .

إنه يطلب الدنيا لذَاتِها، ويرى فيها الأملَ الذي لا أمل معه، والغايةَ التي ليس من ورائها غاية، فيركض فيها ركضا غيرَ مبالٍ بحلال ولا حرام ، ثم تراه يموت في أطْوائِها كما تموت دودة القزِّ فيما تنسج ، وهي لا تنتفع منه بشيء ، وكان الأجدرُ به أن يدخل في سلام مع الله يُورِثُه السكينة والرضا، والهدوء والطمأنينة .

مثل هؤلاء يتسع لهم قولُ الحق:”أَلَم يَعلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَا ذَٰلِكَ ٱلخِزيُ ٱلعَظِيمُ” التوبة/63 .

والمحادَّة: المُعاداة والمخالفة، والخزي: الذلّ والهوان، أي: ألم يعلموا شأناً عظيماً هو: من يحادِدِ اللهَ ورسولَه، له نارُ جهنّم. وقولُه:”وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ ” الحشر/4 ، والمشاقَّة: المخاصمة والعداوة .

وقصة نبي الله إبراهيم  مع ولده إسماعيل عليهما السلام تجسد لنا أنموذجا للسلام مع الله، والرضا بالأقدار التي تحكم على شيخ كبير أن يذبح ولده الوحيدَ الذي رُزِق به على كِبَر؛ فهو في أمس الحاجة إليه ، وتحكم على صبي صغير لم يسلف ذنبا يستوجب ذبحَه ، ومع ذلك لا يكون منهما إلا الخضوع والاستسلام !!! .

إنه حُبُّ السلام مع الله، وإيثارُه على كلَّ شيء ، فما كان من الله إلا أن فداه بذبح عظيم .

قال تعالى :”فَبَشَّرنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلمَنَامِ أَنِّيٓ أَذبَحُكَ فَٱنظُر مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ . فَلَمَّآ أَسلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلجَبِينِ . وَنَٰدَينَٰهُ أَن يَٰٓإِبرَٰهِيمُ . قَد صَدَّقتَ ٱلرُّءيَآ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجزِي ٱلمُحسِنِينَ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلبَلَٰٓؤُاْ ٱلمُبِينُ . وَفَدَينَٰهُ بِذِبحٍ عَظِيمٖ” الصافات/101 ـ 106

وفي المقابل ترى أُنمُوذَجا للعناد وعدم الرضى يجسِّدُه طمع نَفَر من الْعُرَنِيِّينَ وفدوا إلى المدينة فجاد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من نَعَمِ الصدقة بألبانها، فشربوا ولما دبت العافية في أبدانهم مَالوا على الرّاعي فقتلوه واطَّرَدُوا الذّوْد وارتَدّوا عن الإسلام ، فاستحقوا بإفسادهم وجشعهم جزاءا رادعا . راجع شرح النووي على مسلم/1671

وفيهم ومن شاكلهم نزل قولُ الحق :” إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسعَونَ فِي ٱلأَرضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَو يُصَلَّبُوٓاْ أَو تُقَطَّعَ أَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم مِّنخِلَٰفٍ أَو يُنفَواْ مِنَ ٱلأَرضِ ذَٰلِكَ لَهُمخِزي فِي ٱلدُّنيَا وَلَهُم فِي ٱلأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “لالمائدة/33، والمقصود بحربهم اللهَ ورسولهَ: مناوئةَ أحكامِه ، والاعتداء على حكمه وسلطانه .

وتلك جريمة أخرى تنتظم في جرائم الغرور وعدم الرضا بالمقسوم يجسدها أحد ابني آدم عليه السلام بعصيانه وتمرده على حكم الله وقدَرِه بعدم قبول قربانه، وقبول قربان أخيه، فحمله حسدُه لأخيه على قتله فأصبح من الخاسرين.

يقصها علينا القرآن في سورة المائدة للاتعاظ والاعتبار فيقول :” وَٱتلُ عَلَيهِم نَبَأَ ٱبنَيءَادَمَ بِٱلحَقِّ إِذ قَرَّبَا قُربَانٗا فَتُقُبِّلَ مِ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّل مِنَ ٱلأٓخَرِ قَالَ لَأَقتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلمُتَّقِينَ . لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيكَ لِأَقتُلَكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلعَٰلَمِينَ . إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثمِي وَإِثمِكَ فَتَكُونَ مِن أَصحَٰبِ ٱلنَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ ٱلظَّٰلِمِينَ .فَطَوَّعَت لَهُۥ نَفسُهُۥ قَتلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ ” 27ــ30 

إن الاستسلام لله، والرضا بما قدر، والفرحَ بما قَسَمَ مع إحسان العمل لهو سبيل التنعم بالسكينة والطمأنية ، وفوق ذلك كله لا غنى لنا عن رحمة الله وتوفيقه إذ لا يخلو امرؤ عن تقصير .

  1. ” بَلَىٰ مَن أَسلَمَ وَجهَهُۥلِلَّهِ وَهُوَ مُحسِن فَلَهُۥ أَجرُهُۥعِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوفٌ عَليم وَلَا هُم يَحزَنُونَ” البقرة/112 وإسلام الوجه لله : تسليم الذات وترك المقاومة واستسلام القلب لأوامره سبحانه .

مثل هؤلاء يطمئنون بعد اضطراب، فينعمون بالسكينة التي تطردُ وساوسَ الشيطان من التمرد والعصيان ومناوئةِ الأقدار .

ينعمون بالسكينة لأنها رحمة وتوقير وتعظيم لله ورسوله وميل إلى الهدى والاستقامة ، وتأنٍّ في الحركة، ووقار في الهيئة، وغضٍّ للبصر وخفضٍ للصوت وإقبال على طريق الله بغير التفات .

فأسلموا وجوهكم لله، وارْضَوْا بما قسمَ، وأحسنواالعمل، واطلبوا التوفيق من الله فلا غنى لنا عنه .

رزقنا الله وإياكم نعمة الخضوع له والرضا بما قدر وحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك