قطوف من الذكر الحكيم 

قال تعالى : (ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ ٱلْءَايَٰتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ)
[آل عمران,58]. 

قال السعدى: { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم } وهذا منة عظيمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، حيث أنزل عليهم هذا الذكر الحكيم، المحكم المتقن، المفصل للأحكام والحلال والحرام وإخبار الأنبياء الأقدمين، وما أجرى الله على أيديهم من الآيات البينات والمعجزات الباهرات. 

فهذا القرآن يقص علينا كل ما ينفعنا من الأخبار والأحكام، فيحصل فيها العلم والعبرة وتثبيت الفؤاد ما هو من أعظم رحمة رب العباد ،

من الذكر الحكيم 

{ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ }

قال تعالى : (رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ)[آل عمران,194]

الوسيط لطنطاوي:
أى نسألك يا ربنا أن تعطينا وتمنحنا بعد وفاتنا، وحين قيامنا من قبورنا يوم القيامة، ما وعدتنا به من ثواب في مقابل تصديقنا لرسلك، وطاعتنا لهم، واستجابتنا لأوامرهم ونواهيهم ،
{ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ } أى ولا تذلنا ولا تفضحنا يوم المحشر على رءوس الأشهاد إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ أى إنك- سبحانك- لا تخلف وعدك الذي وعدته لعبادك الصالحين.

فهم قد جعلوا هذا الدعاء وهو طلب الثواب الجزيل يوم القيامة، ختاما لدعواتهم، لشعورهم بهفواتهم وبتقصيرهم أمام فضل الله ونعمه.

أسباب ستر الله عليك 

قال الإمام ابن القيم: للعبد ستران: ستر بينه وبين ربه، وآخر بينه وبين الخلق، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله، هتك الله ستره بين الخلق، كيف تكون عبدًا مستورًا؟

من أسباب ستر الله عليك الإخلاص واجتناب الرياء؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمِعَ سمِعَ الله به، ومن يُرائي يُرائي الله به))؛ [متفق عليه].

من أسباب ستر الله عليك أن تستر على نفسك، وألا تجاهر بالمعصية:طوبى لمن شُغِل بعيوبه عن عيوب الناس، إذا أذنبت فلا تحدِّث بذنبك أحدًا، الأحبُّ إلى الله لمن ابتُلي بالمعصية ألا يفضح نفسه، وليستتر بستر الله، والتوبة الصادقة من أسباب الستر،

ومن أسباب الستر عدم تتبُّع عورات المسلمين:
أخرج البيهقي في السنن الكبرى بسند صحيح، عن البراء بن عازب، رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها، أو قال في خدورها، فقال: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبِعوا عوراتهم، فإن من تتبَّع عورة أخيه تتبَّع الله عورته، ومن تتبَّع الله عورته يفضحه في جوف بيته))؛ [رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح (4880)].

ومن أسباب الستر ألَّا تنعت المرأة امرأة أخرى لزوجها:
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها))؛

الصدقة من أسباب الستر وأن يحجبك الله تعالى عن النار

عن عدي بن حاتم قال: سمِعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل))؛ [صحيح مسلم].

كظم الغيظ والغضب من أسباب الستر:
قال رسول الله: ((ومن كف غضبه ستر الله عورته))؛ [رواه ابن أبي الدنيا، وحسَّنه الألباني، صحيح الجامع (176)].

حسن الظن بالله من أسباب الستر

فمن جملة الخير أن يحسن العبد ظنه بربِّه، ويحسن الظن بأنه سيستره في الدنيا والآخرة، فالله جل في علاه هو الستِّيـــر يحب الستر على عباده، ويسترهم في الدنيا والآخرة؛ يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
((أنا عند ظن عبدي بي إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ))؛ [صحيح الجامع (1905)].

متى يهتك الله الستر عن عبده 

لكن هذا الستر من الله للعاصي له حدٌّ فحينما يتمادى العبد في معصية الله تعالى، قد يفضحه الله تعالى من حيث لا يدري؛ قال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: “من عمِلَ عملًا ألبسه الله رداءه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ، سيظهر هذا العمل رغم أنفه على فلتات لسانه وكلامه، ومصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 72].  

اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك”.

“اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة”.
“اللهم إني أسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومردا غير مُخْزٍ ولا فاضح”.
“اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا”.
“اللهم لا تؤمني مكرك، ولا تولني غيرك، ولا تنزع عني سترك، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين”.
“اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيد غيري، وأصبحت مرتهنا بعملي، فلا فقير أفقر مني؛
اللهم لا تشمت بي عدوي، ولا تسؤ بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا تُسلِّط عليَّ مَن لا يرحمني، يا حيُّ يا قيوم”.

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك