على ناصية الشارع كانت لنا أيام ! – بقلم : محمد أبو النور

0
237

كتب

المحرر والناشر الإلكتروني لجريدة صوت الشعب، الصادرة من وعن محافظة دمياط

الحكاية بدأت منذ لحظات قليلة .. عندما رأيته جالسا بوجهه المتجهم وكرشه المتدلي في مقعده الدائم علي ناصية الشارع ، فقررت – بلا أي مقدمات – أن أضع النهاية المنطقية لتلك القصة السخيفة التي جمعت بيننا لعدة أيام .

محمد أبو النور

هو غفير صعيدي ، في منتصف العمر ، جاء من أقصي الصعيد بحثا عن الرزق أو ربما هربا من الثأر ، وربما تنقل في عدة مهن قبل أن يستقر في عمله الأخير كحارس ليلي لعدد من المحلات بالشارع ، الذي يتصادف مروري اليومي عليه في طريق العودة للمنزل .

ومنذ بدأ الغفير عمله قبل أيام لم تزد العلاقة بيني وبينه عن ” نظرات ” .. مجرد نظرات متبادلة بلا أي سلام أو كلام .. نظرات فضول من جانبي .. ونظرات ارتباك من جانبه .. وكان ارتباكه في واقع الأمر يزيدني فضولا !

الدنيا ليل والمحلات مغلقة .. والشارع مظلم ولا يوجد به إلا أنا والغفير ، لكنه لسوء الحظ نائم .. هو نائم بعين مغلقة ونصف عين مفتوحة ليوهمك بأنه يراقب المكان ويتابع المارة ، لكنه في الحقيقة غارق حتي أذنيه في النوم ، وشخيره بدأ يعلو حتي أقلق منام سكان الشوارع المجاورة . اقتربت منه بحذر .. أكثر من المعتاد .. واستدعيت كل ذكريات شجاعتنا وشقاوتنا الطفولية قبل أن أقول بصوت اخترق أذنيه : سلام عليكم يا حاج !

ثم استدرت وأكملت طريقي كأن شيئا لم يكن . وفي نصف ثانية هي عمر الاستدارة حدث ما يلي : تكهرب جسم الغفير فجأة كأنه لدغه عقرب في قفاه ، ثم اتسعت عيناه وانفتح فمه كأنه باب مغارة مهجورة في أحد الجبال ، قبل أن يتدلي لسانه خارج فمه ويقول بلغة صينية غير مفهومة .. وبصوت متحشرج : عليكم السلام ورحمة الله !

وبينما كنت أركز كل طاقتي وجهدي في كتم الضحك سمعت صوت الغفير من بعيد يغمغم ويبغبغ بكلام لم أميزه ولم أفهمه .. أو لم أفهم منه سوي أنه يبسمل ويتشهد ويستعذ بالله من الشيطان الرجيم !

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك