اكتساب حاسَّة الثقة

كتب / وسام وهدان و نسمة شرة

الأطفال هم الأمل الوحيد الباقي للإنسانية، فدراسة الأطفال تقدم الدليل الأوفى على ما يكْمُن في الروح الإنسانية من قوى وإمكانيات، وما ركِّب فيها من صفات فاتنة، فليتنا نستطيع أن ندرك براءتهم الصافية وإخلاصهم الصادق و تتحدد هذه الانسانيه فى أولى فترات نشأته،  منذ أن كان مضغه فى رحم أمه إلى أن يرتمى فى أحضان عالمنا الكبير .

و تعددت الدراسات والأبحاث فى فهم و تحليل العالم الانسانى بمراحله و جوانبه وما يؤثر فيه منذ بدايته .

الأمل بين الثقة و الشك

 يرى د. إريكسون Erik H. Erikson من أعظم المحللين النفسيين والدارسين للنمو النفسي ” أنه بعد حياة نظامية رتيبة محوطة بالدفء والحماية داخل الرحم، يواجه الطفل مع الولادة في أول التقاء له بالعالم الخارجي، فيتكوّن لديه إحساس بالترقّب من خلال مزيج من الثقة والشك، وتصبح حاسَّة الثقة الأساسية لديه في مقابل حاسَّة الشك الأساسية، هي النقطة الحرجة في مرحلة نموه الأولى.

وبالنسبة للوليد فإن حاسَّة الثقة تتطلَّب شعورًا بالراحة الجسمية ، والحد الأدنى من تجربة الخوف وعدم التاكد، فإذا ما توفَّر له ذلك, فإنه سيبسط ثقته إلى تجارب جديدة تساعده على النمو نفسيًّا، وعلى تقبل الخبرات الجديدة برضًا، ومن ناحية أخرى: تنشأ حاسَّة الشكِّ من الخبرات الجسمية والنفسية غير المرضية، وتؤدي إلى الخوف من توقُّع المواقف المستقبلية .

 واجبات النموّ في هذه المرحلة

إن الواجب النمائي الأوّل والأساسي هو إرساء حاسَّة الثقة الأساسية، والذي يتفق مع فترة النضج السريع في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي فترة يبلغ فيها معدَّل نمو الجسم درجة هائلة، ويكون الاهتمام الوحيد للتركيب الجسمي هو المحافظة على الوظائف العضوية.

وهي: التنفس، والهضم، والأكل، والحركة. لذلك : فإن الخبرات العضوية توفّر الأساس لحالة من الثقة النفسية، وتصبح الأساسات العضوية هي الخبرة الاجتماعية الأولى التي تعمِّم في عقل الطفل، والتي تحدد طريقة المعاملة في هذه المرحلة، بمعنى : إنَّ الطفل يقابل المجتمع بفمه، وهو يتلقى الحب ويعطيه بفمه من خلال النموذج السلوكي الانضمامي، ومع ذلك فإنه لا طول مدة الاتصال الفمِّي ولا كمية الطعام ومقدار المص هي التي تحدد نوعية الخبرة، ولكن طبيعة الاتصالات الشخصية التي تنظم هذه الاتصالات الفمِّية والانضمام الفمي.

أي: إن نوعية الراحة الجسمية والنفسية التي تولدها عملية الإطعام وانتهائها هي التي تحدد شعور الجسم الصغير نحو حياته الاجتماعية الأولى.

للمرحلة الفمية أثرها على ثقة الطفل و إنسانيته

 

ويذكر إريكسون أن هذه المرحلة الفمية تنقسم إلى مرحلتين:

مرحلة فمية نفسية حسية : تتخذ فيها كل الاتصالات الاجتماعية نمطًا ضميًا تداخليًا.. وعليها تتوقف الخبرة الانفعالية فى تبادل الأخذ والعطاء، وما تتضمنه من درجات الاسترخاء والأمان التي تتصل بعمليات الإمساك والمص من خلال الشكل الفمي الانضمامي العملية المص الممتد الحلمة الثدي أو البديل المناسب وبذلك يحاط الأطفال بابتسامات أمهاتهم ويجدون في دفء أجسامهن ملاذًا وراحة وحماية، ذلك الدفء الذي به أيضًا – عندما يلقون رعاية من الأم – يخلصهم مما يحسون به من ضيق ناشئ عن برد أو بلل أو ملل أو جوع. وكلما نمت أجسامهم ازداد اعتمادهم على أنفسهم وازداد سرورهم بنمو حواسهم وتأزرهم الحركي- مصحوبًا هذا كله بتشجيع الأم ورعايتها. والمرحلة الفمية الثانية: هي

المرحلة السنية العضية : و هى المرحلة الفمية الثانية حيث يبلغ المنوال الانضمامي ذروته في الوقت الذي تظهر فيه أولى الأسنان، وهذا يصبح الإمساك تحت سيطرته الكاملة … وفي هذه المرحلة الضمية الثانية تصبح الطريقة الاجتماعية في الإمساك مشابهة لعملية الشد إلى أسفل “العض” بالسن الجديدة.. وهنا يميل الطفل للاندماج الكلي وأن يحتفظ لنفسه بكل ما يحصل عليه أو يعطي له بعد أن علمته التجربة الآن وأن باستطاعته الاحتفاظ ببيئته من خلال جهده الخاص ؛ غير أن الإمساك والاحتفاظ عن طريق العض كثيرًا ما يسبب انسحاب الأم مما قد يشعر الطفل بالشك وعدم الثقة فيتولد لدى الطفل حثًا جديدًا للإمساك بحدة وبشكل أشد.

وهكذا يتضح أن الثقة عنصرًا هامًا في الشخصية السوية وأن هذا الإحساس يتكون في وقت مبكر .. وتدلنا دراسات المضطربين انفعاليًا والأطفال الذين حرموا من العطف حرمانا بالغًا (على أن أخطر الأمراض النفسية تظهر عند الأشخاص الذين تعرضوا لإهمال بالغ أو حرمان من الحب في الطفولة ) وبالمثل يجد الباحثون النفسيون والاجتماعيون أن السيكوباتيين قد حرموا من الحب في طفولتهم لدرجة أنهم لم يجدوا ما يبرر ثقتهم بالجنس الإنساني وبالتالي أصبحوا لا يحسون بمسئولية تجاه زملائهم في الإنسانية .

علاقة الأم بطفلها أولى العلاقات الإجتماعية التي بها يتحقق الأمل

أما عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في هذه المرحلة فإن الأم أو الشخص القائم برعاية الطفل هي التي تمثّل أولى الاتصالات الاجتماعية للطفل, وتبرز البيئة من خلال ثدي الأم أو الزجاجة البديلة مصدر الرضاعة الصناعية ؛ حيث إن الحب وبهجة الاعتماد ينتقلان إليه عندما تضمه الأم إليها, فيشعر بدفئها المريح وابتسامتها العذبة، والطريقة التي تناجيه بها و لمستها الرقيقة ، كل هذا له أهميته البالغة في هذه المرحلة فإذا مرت هذه المرحلة بسلام فسوف يثق بالحياة والمستقبل .

للغة وظائف حيوية هامة في حياة الإنسان

تؤثر اللغة ايجابا أو سلباً فى اكتساب الطفل لثقته بنفسه لذا فعندما نتفحَّص بدقة مظاهر نمو هذه القدرة ونمكِّن الطفل من استخدامها، نجد تساؤلًا رئيسيًّا يفرض نفسه علينا، وهو: كيف يتكون هذا السلوك المعقد ؟ وكيف تتطور وتنمو هذه المهارات اللغوية بهذا الكم والكيف في فترة زمنية وجيزة من حياة الطفل؟ وقبل أن يتمَّ تناول ذلك، ينبغي التعرُّف على النظريات المفسّرة لاكتساب اللغة, وسوف نستعرض ثلاثة توجهات في تفسير اكتساب اللغة ونموها، وهذه التوجهات هي: النظرية السلوكية “التعلّم”، والنظرية العقلية “الفطرية”، ثم النظرية المعرفية.

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك