إكراه البنت على الزواج

فى بعض البلاد يزوج الأب بنته دون أن يأخذ رأيها، وقد تكون كارهة لهذا الزواج فهل هذا الزواج صحيح ؟

الجواب :
روى البخارى أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة- وكانت ثيبا – فأتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها .

وفي السنن أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم يعني جعل لها الخيار في إمضاء هذا الزواج وفي فسخه ، وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلاً زوج بنته بغير استشارتها ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته . فجعل الأمر إليها ، فلما رأت ذلك قالت : أجزت ما صنع أبى، ولكنى أردت أن أعلم النساء أنه ليس للأباء من الأمر شيء .

وروى عبد الرزاق أن امرأة قتل عنها زوجها يوم أحد ولها منه ولد، فخطبها عم ولدها ورجل آخر، فزوجها أبوها من هذا الرجل ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تريده ، وتريد عم ولدها لأنه أخذ منها ولدها ، فقال لأبيها “أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فانكحى عم ولدك ” وذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج بنته دون أن يستشيرها “أشيروا على النساء في أنفسهن ” إن استبداد الولى باختيار الزوج وانفراده بالعقد هو جناية على المرأة واستهانة بعواطفها وإحساساتها .

وكان العرب يستثيرون بناتهم في الزواج قبل الإسلام ، فجاء الإسلام واحترام رأيها كجزء من تكريمه لها .

وقد جاءت في ذلك عدة أحاديث ، منها ما رواه مسلم “لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ” قالوا يا رسول اللّه وكيف إذنها؟ قال “أن تسكت ” وفي رواية “الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر و إذنها سكوتها” الأيم في اللغة من لا زوج لها ، ثيبا كانت أم بكرا، صغيرة أم كبيرة .

واختلف العلماء في المراد بها فى هذا الحديث ، فالجمهور على أن المراد بها الثيب ، أي التي سبق لها زواج ، وقال الكوفيون : هي كل امرأة لا زوج لها ، بكرا كانت أم ثيبا ، كما هو مقتضاه في اللغة، وقالوا : كل امرأة بلغت فهى أحق بنفسها من وليها ، وعقدها على نفسها النكاح صحيح ، وقال الأوزاعى وأبو يوسف ومحمد : تتوقف صحة النكاح على إجازة الولى .

واختلفوا أيضًا في عبارة “أحق بنفسها من وليها” هل هى أحق بالإذن فقط ، أم بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور: هي أحق بالإذن فقط ، وأما الذي يتولى العقد فهو وليها ، وقال الكوفيون : هي أحق بالإذن والعقد ، وقول الجمهور أصح لحديث “لا نكاح إلا بولى” . وقد تبين من الأحاديث وجوب احترام رأى المرأة عند الزواج ، ولابد من موافقتها عليه إما بالقول من الثيب وإما بالسكوت من البكر، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى من زوجت بغير رضاها ، إن شاءت أمضت وإن شاءت رفضت .

قال الشافعي وأصحابه : يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها ، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة ، ما لم تكن هناك مصلحة تفوت لو لم يزوجها ، وهو أدرى بها منها، كما زوج أبو بكر رضي اللّه عنه عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم ” وهي صغيرة .

وبالجملة لابد من احترام رأى المرأة وتعاون ولى أمرها معها في اختيار زوجها ، فالرجل له من عقله الراجح وتجاربه ما يوجه به عاطفة المرأة ، وبخاصة إذا كانت نيته الوجهة الصالحة .

فالزواج يحتاج إلى العقل والعاطفة معا ، كما يقول بعض الكتاب : إن المرأة في عاطفتها القوية كحامض الكبريتيك المركز، فيه خطر كبير، والولى كالماء المخفف لتركيزه ، فيجعله صالحًا لتوليد الكهرباء بين القطبين .

وينتفع بهذه القوة انتفاعا كبيرا “انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام .

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك