تمرد الشباب

انتزعني من مملكة الراحة اللذيذة صوت السيد الوالد

تمرد الشباب
الكاتب : مصطفى حنيجل

 

 وهو يشدو بأعذب الألحان الأبوية :

-هو البيه لسه نايم، ده أنا لو كنت مخلف كلب كان زمانه نفعني أكتر منه.

وكالعادة أمنت أمي علي كلماته- فقط- لتمتص تداعيات البركان اليومي.

جاء صوت أمي التي تمثل جبهة الإنقاذ في البيت:

-قوم ياواد هات الفطار أبوك شايط برة.

-شايط ..حطيله شياطة وهدي النار ياجميل.

تدخل أبي بعواصفه:

– شياطة يابن الكلب ..ماهو ده اللي إنت فالح فيه..تتريق وتتمسخر وتسهر علي المخروب النت..قوم قامت قيامتك.

– مابو راحة علينا ياحاج ياعسلية إنت. صباح الخير.

أعترف أننى بذلت قصارى جهدى لتفادى ضربات أبى وأننى لم أكن أنتوى افتعال معركة صباحية مبكرة.

امتطيت بنطالى الجينز والقميص الذى قمت بتجسيمه عند فرغلى الترزى وأكملت هندامى؛ وانطلقت أشترى إفطار اليوم وأدندن كلمات أغنية مشهورة”أديك انا أصلا جن.. إسمع منى يابن عمى مش عاوزك شايل منى”.

استوقفتنى كلمات والدى مخاطبا امى:

-بيقول إيه الأهبل ده؟

-والنبى ياخويا منا عارفة اللى بيسمعوه ده.. هما دول حد فاهم لهم حاجة!
أحضرت الإفطار المقدس وعدت لأجد جدى عندنا فى البيت:

-جدو ياجدو ياجدو..منور المنتخب يا حاج جدو.

أخذت نصيبى من لكزات والدى لكتفى:

-ماتحترم نفسك وتكلم جدك عدل.

تدخل منقذى االأبدى وقال لأبى:

-ده بيهزر يابنى..سيب الواد يعيش سنه.

إنصبت سهام نظرات الأسرة على شخصى المتواضع فقلت لهم:

-الفول هيبرد والطعمية أم سمسم..جهزى الفطار ياماما وأنا هشغل لكم حاجة حلوة على الكمبيوتر.
وكالعادة عندما يحضر جدى فلا مفر من سماع عبد المطلب وعبد الوهاب؛ وباتت كل الحجج الواهية التى أختلقها كضياع الأغانى القديمة من هارد الكمبيوتر مكشوفة؛ فلقد عرف جدى طريق اليوتيوب من خلالى للأسف.

امتثلت للقدر وانضممت إليهم على المائدة نستمع سويا لأغنية “بفكر فى اللى ناسينى”

لعبد الوهاب.

تمايلت رأس جدى يمينا ويسارا منتشيا بالموسيقى والكلمات أما أنا فقد غلب علي عيونى النعاس وماهى إلا دقائق ووجدتنى أتثائب مخاطبا جدى

-إبقو صحونى لما يفتكره بقى.

تدخل أبى:

– بتتريق .. هو إنتو بتعرفو تسمعو ولا عندكو ذوق ؛إنتو جيل مشوه.

رد الجد:

– لا يابنى كل جيل فيه اللى فيه..إنت ناسى لما كنت فى سنه كنت بتسمع “السح الدح إمبو” وكنت بتلبس البنطلونات الصفرة والحمرة والقمصان المشجرة!

تلعثم أبى ولم يعلق فأفلتت منى ضحكة كان جزاؤها نصف ليمونة معصورة طائشة كانت أمام أمامه واستقرت فى منتصف جبهتى؛ وتحول الإفطار إلى جلسة نقاشية حول انحدار الذوق العام.

امتدت الجلسة حتى انتهت أغنية عبد الوهاب بعد نصف قرن وجاء موقع اليوتيوب تلقائيا بأغنية من العشرينيات لمطربة شهيرة اسمها “منيرة المهدية” تشدو وتقول:

– وأنا لسه نونو فى الحب بونو..ده الحب دح دح والهجر كخ كخ..ياعزول السح النح أنا لسه نونو فى الحب بونو.

خرست الألسنة وانصبت النظرات على جدى الذى سكت تماما فلم ينطق سواى:

-إيه ده ياجدو..بقى دى أغانى الجرامافون أبو اسطوانات وإبرة..دى حاجة أخر مسخرة ههههههه.

قلتها وأفلت ذراعى من قرصة جدى الذى رد بحرج:

وأنا اللى بدافع عنك من الصبح..أما جيل مش متربى صحيح..أدى اللى خدناه من الثورة.. جتكو الهم .

تمت