قال تعالى :  {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} .

فما هو الإيلاء

الإيلاء لغة: الحلف، وفي الشرع: أن يحلف الرجل على أن يعتزل امرأته، فلا يقربها، ولا يعاملها معاملة الأزواج أكثر من أربعة أشهر، كأن يقول: والله لا أقربك، أو لا أجامعك، أو أمثال هذه الكلمات.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة، فوقَّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك، فليس بإيلاء حكمي). 

والفيء: هو الرجوع، يقال: فاء إلى رشده، أي عاد إلى جادة الحق والصواب، وفي التنزيل قول الله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل} .

يعني : حتى ترجع من البغي إلى العدل، الذي هو أمر الله.

ومنه قيل للظل بعد الزوال: فيء؛ لأنه رجع من جانب المشرق إلى جانب المغرب، يقال: فاء يفيء فيئة وفيوءاً. وإنه لسريع الفيئة، يعني: الرجوع. والمراد بالفيء في الآية: الرجوع عما حلف عليه الزوج من عدم قربان زوجته.

حكم الإيلاء من الزوجة على مذهبين:

الأول: إذا مضت الأربعة الأشهر قبل أن يفئ الزوج، طلقت منه زوجته تطليقة بائنة، فلا تحل له إلا بعقد جديد. وهذا مذهب أبي حنيفة.

وحجته أن الله تعالى حدّد المدة للفيء بأربعة أشهر، فإذا لم يرجع الزوج عن يمينه في هذه المدة، فكأنه أراد طلاقها، والعزيمة في الحقيقة إنما هي عقد القلب على الشيء.

الثاني: أن الزوجة لا تطلق بمضي مدة الأربعة الأشهر، ويؤمر الزوج بالفيئة (الرجوع عن يمينه)، أو بالطلاق، فإذا امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه.

ويكون تطليقة رجعية. وهذا مذهب جمهور العلماء، وحجتهم أن قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق} صريح في أن وقوع الطلاق إنما يكون بإيقاع الزوج، فلا يكفي مضي المدة، بل لا بد بعدها من الرجوع عما حلف عليه، أو الطلاق.

قال الشوكاني: “واعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم، وتكلفوا بما لم يدل عليه اللفظ، ومعناها ظاهر واضح، وهو أن الله جعل الأجل لمن يحلف من امرأته أربعة أشهر.

 اختلف العلماء متى يكون الإيلاء على قولين:

الأول: أن الإيلاء يصح في حال الرضا والغضب، وهو مذهب الجمهور. ودليلهم عموم الآية، فهي تشمل من حلف بقصد الإضرار، أو حلف بقصد المصلحة، فالكل يشمله لفظ (الإيلاء).

الثاني: أن الإيلاء لا يكون إلا إذا حلف عليها في حال غضب على وجه الإضرار. وهذا مذهب مالك، وحجته ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا إيلاء إلا بغضب.

وقد رجح الطبري رأي الجمهور، فقال: “والصواب قول من قال: “كل يمين منعت الجماع أكثر من المدة التي جعل للمؤلي التربص بها قائلاً في غضب كان ذلك أو رضى فهو إيلاء”.

المسألة الرابعة: اختلف العلماء بالمراد بالفيء في قوله سبحانه: {فإن فاءوا}، وهم في ذلك على ثلاثة مذاهب:

الأول: أن الفيء يكون بالجماع لمن لا عذر له، فإن كان مريضاً، أو مسافراً، أو مسجوناً، أو كان به عذر يحول بينه وبين الوصول إلى زوجته، فيكفي المراجعة باللسان، أو القلب. وهذا مذهب جمهور العلماء، وهم متفقون على أنه إذا أمكنه الوصول إليها، لم يكن فيئه إلا الجماع. وهذا القول أعدل الأقوال.

الثاني: أن الفيء بالجماع فحسب، ولا يكون في غيره، فإذا لم يجامعها، وانقضت المدة طلقت منه طلقة بائنة، وهو قول سعيد بن جبير، والشعبي.

الثالث: أن الفيء يكون بالمراجعة باللسان على كل حال، فيكفي أن يقول: قد فئت إليها. وهو قول النخعي.

 اختلف العلماء فيما يقع به الإيلاء من اليمين على قولين:

الأول: أن الإيلاء لا يقع إلا باليمين بالله تعالى وحده؛ لقوله عليه السلام: (من كان حالفاً، فليحلف بالله، أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم.

الثاني: أن الإيلاء يقع بكل يمين منعت جماعاً. وهو قول مالك وأبي حنيفة. قال ابن عبد البر: “وكل يمين لا يقدر صاحبها على جماع امرأته من أجلها إلا بأن يحنث، فهو بها مؤل، إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر.

فكل من حلف بالله، أو بصفة من صفاته، أو قال: أقسم بالله، أو أشهد بالله، أو علي عهد الله وكفالته وميثاقه وذمته، فإنه يلزمه الإيلاء. فإن حلف بالصيام ألا يطأ امرأته، فقال: إن وطئتك فعلي صيام شهر، أو سنة فهو مؤل. وكذلك كل ما يلزمه من حج، أو طلاق، أو صلاة، أو صدقة”.

يلزم الإيلاء كل من يلزمه الطلاق؛ فيلزم السكران، والسفيه، والأخرس بما يفهم عنه من كتابة، أو إشارة مفهومة، وكذلك الأعجمي، فكل هؤلاء ومن في حكمهم يلزمهم الإيلاء، إذا آلوا من نسائهم.

 إن حلف بالله ألا يطأ زوجته، واستثنى، فقال: إن شاء الله، فإنه لا يكون مولياً؛ لأن الاستثناء يحل اليمين، ويجعل الحالف كأنه لم يحلف، وهو مذهب فقهاء الأمصار؛ لأنه بين بالاستثناء أنه غير عازم على الفعل.

 مذهب جمهور أهل العلم أن الإيلاء

هو أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة فما دونها، لا يكون موليا، وكانت عندهم يميناً محضاً، لو وطئ في هذه المدة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان.

مذهب جمهور العلماء أن الزوجة المدخول بها، وغير المدخول بها سواء في لزوم الإيلاء فيهما. ومذهب بعض أهل العلم أنه لا إيلاء إلا بعد الدخول.

قال المالكية:

من امتنع من وطئ امرأته بغير يمين حلفها إضراراً بها، أُمر بوطئها، فإن أبى وأقام على امتناعه مضراً بها، فُرق بينه وبينها من غير ضرب أجل، لوجود معنى الإيلاء في ذلك.

لأن الإيلاء لم يرد لعينه، وإنما أريد لمعنى سوء العشرة والضرر، وهذا حاصل إذا ضارها دون يمين. ومذهب جمهور أهل العلم أنه لا يكون مولياً من حلف ألا يطأ زوجته في هذا البيت، أو في هذه الدار؛ لأنه يجد السبيل إلى وطئها في غير ذلك المكان.

هذه أهم الأحكام المتعلقة بالإيلاء من الزوجة مستفادة من هاتين الآيتين الكريمتين، ووراء ذلك تفاصيل أخر تُعرف في كتب الفقه لمن اراد الإطلاع.

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك