” بناء الوعى فى قضية الأخلاق “

 

عن أبى هُريرةَ رضى الله عنه قال: قال سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَحاسدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بعضُكُم على بيعِ بعضٍ، وكونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المسلمُ أخُو المسلمِ، لا يَظلمُهُ ولا يَخذلُه، ولا يَحقرُه، التقوَى هاهُنا»، ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مراتٍ: «بحَسْبِ امرئٍ مِن الشرِّ أنْ يَحقرَ أخاهُ المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ» (متفق عليه، واللفظ لمسلم).

كثيرٌ من الناسِ لا يَنتبهُ إلى الجانبِ الخُلُقيِّ فى الفقهِ الإسلاميِّ، فيظنُّ أنَّ الأحكامَ الفقهيةَ لا صلةَ لها بالأخلاقِ، وهذا غيرُ صحيحٍ، ونستطيعُ أنْ نرى شيئًا من ذلك فى الحديثِ الشريفِ الذى بين أيدينا، والذى بدأَ فيه صلى الله عليه وسلم بالنهى عن التحاسدِ، وهو حصولُ الحسدِ بين الناس، والحسَدُ استكثارُ ما أنعمَ اللهُ تعالى به على الغيرِ، وتمنِّى أن يزولَ عنه. واللهُ سبحانه وتعالى نهى عن هذا فقال عزَّ وجلَّ: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ..» (النساء: 32).

والإسلامُ حينَ نهَى عن الحسدِ فإنه كان بذلك رحمةً للحاسدِ كما كانَ رحمةً للمحسودِ؛ لأنه رحِمَ الحاسدَ مِن ذلك الألمِ الذى يجدُهُ فى نفسِه حين يرَى ما لغيرِهِ من الفضلِ أو الخيرِ، وهذا الألمُ والأسَى الذى يستشعرُهُ الحاسدُ لا يدَعُ له نفسًا نقيَّةً يتعاملُ بها مع الناسِ، أو قلبًا زكيًّا يُحبُّ به الآخرين، أو عقلًا نقيًّا يُفكرُ به فى سُبلِ تحقيقِ النجاحِ كما نجحَ الآخرون.

إنَّ الحسدَ يُعطّلُ بعضَ قُوَى الخيرِ فى المجتمعِ بأنْ تتلهَى عن سلوكِ سبيلِ العملِ والنجاحِ بالحقدِ على النابهِينَ، بل قد يصلُ الأمرُ إلى الحياةِ العمليَّةِ، فيتسببُ الحاسدُ فى عرقلةِ حركةِ المحسودِ، أو تعطيلِه، أو غيرِ ذلك، والحاسدُ بهذا لم يُفوّتْ على المجتمعِ ثمرةَ عملِهِ هو فقطْ، بل فوَّتَ عليه ثمرةَ عملِ المحسودِ أيضًا، فاتسعتْ رُقعةُ الأذى.

وليس الحسدُ من شأنِ المجتمعِ المؤمنِ؛ لأنهُ مجتمعٌ متكاملٌ فيما بينَه. وقد وصَفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المجتمعَ المؤمنَ فقال: «إنَّ المؤمنَ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضًا»، وشبَّكَ أصابعَهُ. (متفق عليه).

وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ أفرادَ المجتمعِ المؤمنِ فيما بينهم كأعضاءِ الجسدِ الواحدِ فقال: «مثَلُ المؤمنينَ فى توادِّهِم وتراحمِهم وتعاطفِهم مثَلُ الجسدِ إذا اشتكَى منه عضوٌ تدَاعَى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمَّى» (متفق عليه).

ولا بدَّ حتى يعملَ الجسدُ بكفاءةٍ من أنْ ينجحَ كلُّ عضوٍ فى القيامِ بعملِهِ بكفاءةٍ، فنجاحُ البعضِ فى مجالِهِ نجاحٌ للمجتمعِ كلِّه، بل هو خيرٌ يعودُ على البشرية كلِّها؛ لأنَّ المسلمَ نافعٌ أينما وُجِدَ أو حلَّ، ولا يكونُ منه إلا الخير.

والبدءُ بالنهى عن التحاسدِ بدءٌ بالنهى عن أسبابِ العرقلةِ ومحاولاتِ التخذيلِ، وهذا يُعتبرُ دعوةً للرضا بالنّعمِ، والعملِ على تنميتِها، والتكاملِ بينَ أبناءِ المجتمعِ الواحدِ، والتعاونِ على العملِ والنجاحِ.

وكأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا يبينُ لنا أنَّ البدءَ يكونُ بإزالةِ العوائقِ من الطريقِ، وأولها عوائقُ النفوسِ التى ينبغى أنْ تتكاملَ ولا تتخاذلَ، وأن تتساندَ ولا تتحاسدَ.

الجمعة ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٥, ٣١ مايو ٢٠٢٤ 

بقلم الباحث محمد أحمد عبد الله

اترك تعليق

من فضلك، أدخل تعليقك!
من فضلك، أدخل اسمك