قصة قصيرة للقاص

مصطفى حنيجل

بالأمس اتخذت قرارى وعقدت النية على أن يتم الأمر فى هدوء.

أحضرت ما يضمن نجاح المهمة.. جاكوش ومسامير صلب وترباس نحاسى؛ لابد من إغلاق باب الغرفة جيدا من الداخل.. فلا أحد يسلم من حماقات الأخرين.

ترى كم مرة فى الأفلام أُحبطت محاولات الانتحار ، وتم الإنقاذ السخيف فى اللحظة الاخيرة!

بحثت كثيرا وأفنيت أجولة من الوقت والجهد للوصول لأفضل طريقة للفناء؛ وكعادتى إستقريت على الطريقة التقليدية – كما تعودنا وتربينا – إخترت نحر شرايينى بشفرة حادة؛ لابد أن أنهى هذه المهزلة بشكل مسرحى يليق بجلال الحدث.

 الشفرة الحادة الأن تشبع رغباتها الدفينة؛ وخيط من الدماء يسيل من معصمى.

اللعنة.. من قام بتشغيل مكيف الهواء!

ماهذه التخاريف!

أنا لا أمتلك مكيف هواء!

البرودة تجتاح أطرافى الشمالية والجنوبية ؛أشعر بجيش من النمل الاحمر ينهش قدمى وساقى وفخذى؛ نعم هذا النمل احتلنى يوم خرجت اهتف(عيش حرية عدالة) فأسقطتنى كائنات مصبوغة بالأسود تحمل على أكتافها بعض نجوم مغرورة.

أتذكر جيداً تمرد لسانى على أوامرى بالصراخ وإكتفاؤه بهمهمات رجل مشلول داسته الاقدام والهراوات وألقيت عليه الفضلات.

نشر الخدر قواته وامتدت حتى وصلت إلى الميناء الشمالي الغربى ؛إنتفض وتفجرت بداخله ينابيع الالم وتناثرت الشظايا كالتى مزقت جسد صديقى الذى حال بين لحمى المكوم على الأسفلت الكافر والبذلة السوداء ذات النجوم المغرورة.

وكأن الروح غاز يتدفق بداخل أنبوب ؛شعرت بها تصعد حتى توقفت أعلى صدرى ؛تزلزل ذرات جسدى كأنه الوداع الأخير بعد رحلة حياه كتب فيها قسيمة أحلام انطفأت قبل ان تملأ الدنيا ضياء.

 تراخيت تماما فى انتظار اللحظة الفارقة لأرحل عن هذا العبث. صوت عميق مكتوم يرتعد صداه بداخلى امتد وتحول إلى طنين يدك أذناى!

ما هذا؟!

ضوء أصفر باهت يتسلل إلى عينى ؛أغلقتهما تلقائيا وتبدلت تيارات جسدى البارد بحمم بركانية كادت تحيل جسدى إلى كتلة من الشحم المحروق.

تحسست معصمى وأدركت أننى لازلت رقما مقيدا فى سجلات الأحياء.

بجانبى وجدت ترباس وجاكوش وبعض المسامير  وشفرة حادة وورقة مكتوبة بخط يدى مكتوب بها

“قشة لا تختار مصيرها إنما يحركها التيار فى اتجاهه ؛وإن حاولت المقاومة فمصيرها التهشم والفناء ..هل لها أن تنصاع وتعيش ذليلة أم تقاوم وتفنى؟!”

 مصطفى حنيجل