القيادات الكسر

0
126

كتب

المحرر والناشر الإلكتروني لجريدة صوت الشعب، الصادرة من وعن محافظة دمياط

                                                                       بقلم : د .أحمد فهمي عيسي

أستاذ الأدب والنقد والعميد السابق لكلية آداب جامعة دمياط‏

أنا من بين هؤلاء المساكين الذين يؤمنون أن مشكلتنا الحقيقية ليست في قلة الموارد ، وقلة مخزون المواد التموينية التي يُروَّج لها في هذه الأيام ، بل المشكلة تتمثّل في اختيار الشخصيات غير المؤهلة كقيادات لكثير من المؤسسات ،فبعض الأشخاص يستفزّونك بقِصر نظرهم وسوء فعالهم ، وغبائهم ،ولا يحسون بالمسئولية ولا يدركون ما يحاك حولهم ،ولا يصلحون لشئ ،ويتفق الكثيرون علي ذلك.

 ثم نُفاجأ بوضع هذه الشخصيات علي رءوس مؤسسات كبيرة ،ما كانوا يحلمون أن يجلسوا علي كرسي فيها ، شخصيات صغيرة تافهة قزَّموا الأماكن والمناصب وجرّوا هذه المؤسسات للخلف .

– فالقيادات الكسر دائما ما يقربون التافه والفاسد والحاقد والمكروه من الناس ، فيزداد المخلصون الجادون العالمون ابتلاءًا وبعدا وإحباطا ، ويصبح القابض علي مبادئه كالقابض علي الجمر، معظم الرءوس حولهم خوت مما كان يعمِّرها من الخير والحق والقيم والفضائل، وأصبح الحق يحتاج عندهم إلي إثباتات ودلائل وبراهين، بل ويقابلونه بوجوه عابسة، أما الباطل عندهم فيسرح ويمرح ويصول ويجول ، يقابلونه بالبِشر والسرور والتهليل .

– هذه القيادات الكَسر هى والباطل سواء لا يجتمع حولها غير المنخنقة و الموقوذة والمتردّية والنطيحة وما أكل السبع ؛ كل أصحاب العاهات ،يصفقون لهم ويجعلونهم سوطا علي كل من يقف في طريقهم من الشرفاء.

-القيادات الكسر؛ ليس عندهم إبداع ولا رؤية ،فلا استقراء ولا استنباط ولا تصوّر ، ولهذا تعتبر مرور اليوم المحكوم بالسنن الكونية إنجازا بصرف النظر عما قدّموا فيه.

-القيادات الكسر قيادات كسولة لا تخرج من مكانها، ملتصقة دائما بالكرسي ،ظنا منهم أن الكرسى سيضيع لو غابوا عنه، ولهذا يكونون كالعجزة يستمدون معلوماتهم من العيون والجواسيس والمتطوعين والمشوّهين، ولهذا يبنون قراراتهم علي أفكار خاطئة باستمرار.

-القيادات الكسر قيادات انتقامية ، دائما تحاسب علي الأشياء التافهة ، هذا مرّ ولم يسلّم ، وهذا لم يدخل مكتبي ، وهذا لم يتصل بي في العيد ومناسبة كذا ، وهذا لم يهنئني بالمنصب ،وهذا صنع معي كذا منذ عشر سنوات ، ثم ينشغل بتصفية الحسابات.

– القيادات الكسر لا تحب أن تُذَّكِرها بمشاكل ومعوقات ، يزعجها النقد ، تكرهك لو فعلت ذلك ، لأنها شخصيات فقيرة عديمة الرؤية لا تمتلك الحل ، ولكن تحبك عندما تصنع لها تاريخا وهميا وتبني لها إنجازات في الهواء.

– القيادات الكسر لا تشغلهم المصلحة العامة ولا مهام الوظيفة التي يشغلونها ولكن يشغلهم الطاعة العمياء لرؤسائهم وقهر مرؤسيهم .

-القيادات الكسر لا تعرف أقدار الناس ولا تتذكر أفضال ذوي الفضل، ولكن تنظر إليهم بكره وحقد، لأنهم يُذكِّرونهم دائما أنهم صغار .

– القيادات الكسر لذة الأخذ عندهم أكثر بكثير من لذة العطاء ، لسانهم يسيل علي غير الحق، أما الحق فلا يردّونه ولا يدعمونه ولا يُسرّون به.

– القيادات الكسر مغلقة الرأس فارغة العقل ، قليلة العلم ، علي أبصارهم غشاوة دائمة ، مهما حاولت أن تقنعهم لا يقتنعون حتى وإن أبدوا خلاف ذلك.

– القيادات الكسر لا تفكر في الإنجاز والبناء ،أفضلهم من يحافظ علي المكان كما هو أو كما تركه سابقه ، أما بعضهم فيجعل المكان يغلي كالبركان، يحبط أكثر من فيه ويحوله إلي أحزاب وصراعات ، أما أكثرهم فيُسقط المكان فيجعله والعدم سواء.

القيادات الكسر يكذبون ويفترون ويتوهَّمون ويتهمون الناس بالباطل؛ بالذات أصحاب الكفاءات، فيحرصون علي تشويههم وتصنيفهم بالكذب وإقصائهم ويُحمّلونهم والغيرَ أخطاءهم ، فإدارتهم تقوم علي فلسفة المؤامرة دائما.

– القيادات الكسر لا تنشغل بإعداد القيادات في المكان ،ولكن همها الأكبر تفريغ المكان من الكفاءات بإحباطهم ومحاربتهم وتشويه صورتهم ليبقى المكان لهم وحدهم ، هم واجهته الكبيرة فلا يُري أحد غيرهم.

-القيادات الكسر لم يُختاروا وفقا لمعايير وأسس سليمة ولكن مع القوانين الرخوة ، وإلا فأي قانون في العالم يجعلك تترك الذي يحصل علي 100 وتتخيّر الحاصل علي 40 مثلا وتجعله يدير المؤسسة ، وهو لا يملك مقومات الوظيفة وفقا للمعايير الموضوعة.

– القيادات الكسر هي الشر الوبيل والمصيبة الكبري التي تعاني منها بلدنا الآن ،أكثر من الفساد نفسه آلاف المرات لأن الفساد لا يدخل إلا من خلالهم ، ودائما يوفِّرون له البيئة الملائمة ويفتحون له الشبابيك والأبواب ،ويزينون بالفاسدين مجالسهم.

– القيادات الكسر هم الأزمة الحقيقية الآن أكثر من أزمة السكر والزيت والأرز ، لأنها لم يتمرّنوا علي حسن إدارة الموارد البسيطة ، ولا يتقنون إدارة الأزمات.

– القيادات الكسر ليست عندهم رجولة ولا شجاعة ولا مروءة ، فإذا ما فشل أحدهم في حل مشكلة أو تسبب في ضرر أو أزمة في مؤسسته ، فلا يحمّل نفسه مسئولية ولا يفكر في الاستقالة وترك المكان لمن هو أكفأ منه ، بل يتفاني في إلصاق الخطأ بالأخرين .

– القيادات الكسر عالة علي الدولة، لا يفكرون في الحل علي الإطلاق ، فدائما ما ينتظرون التوجيه بالحل، هذا لو فهموا، ولهذا مهما كان رأس الدولة مبدعا خلّاقا عنده رؤية ، فلن ينجح بمثل هؤلاء ، لأنهم فشلة ، كُتَّع مغلولي الأيدي ، يجرُّون للخلف دائما ، أيديهم مرتعشة، مهزوزة في اتخاذ القرارات ، دائما ما يربكون رؤساءهم بكثرة الأسئلة ، بدلا من إلهامهم بالحلول المبتكرة.

-والله مهما ملأنا البلاد بأطنان السكر والزيت والأرز؛ لن تُحل مشاكلنا بوجود تلك القيادات الفاشلة ، لأنهم يصدِّرون لنا المشاكل والأزمات ، فإذا ما خرجنا من أزمة سنجد بعدها ألف أزمة .

– فَلنُقصِ القيادات الكسر جانبا ، ونبحث ونجدّ عن الشرفاء والكفاءات الذين يملكون الرؤية ويحبون بلدهم ويخافون عليها ، حينها لن نحس بأي مشكلة أو أزمة ، حينها سنحسن إدارة مواردنا مهما كانت بسيطة، بل سنعظمهما ونستثمرها ونرسم مستقبلا أجمل وأروع لبلادنا.

-مشكلتنا القيادات الكسر ، القيادات الفاشلة. القيادات الغبيّة ،