كتب – محمد أبو النور :
قبل عامين قررت مديرية الأوقاف بدمياط إغلاق مسجد النصر بفارسكور ، المسجد الأشهر والأكبر بالمدينة ، بعد ظهور شروخ وتشققات في قبة المسجد ومئذنتيه ، بشكل يستوجب إزالتهم حسب تقرير فني لحالة المسجد .
القرار لم يكن اجتهادا هندسيا شخصيا من مسئولي الأوقاف ، بل صدر بناء علي التقرير الفني الذي أعدته لجنة متخصصة من أساتذة كلية الهندسة بجامعة المنصورة ، تعاقدت معها الأوقاف . وقررت اللجنة أنه يمكن إزالة القبة والمئذنتين بدون أي تأثير علي مبني المسجد نفسه .
لكن لأن الأوقاف من الوزارات التي تسير ببركة الله ولا تؤمن بالخطط والدراسات ووضع جداول زمنية لتنفيذ المشروعات فإنها لم تستطلع آراء المتخصصين بالمحافظة والمدينة ، خاصة وأن المسجد من أقدم وأهم المساجد بالمحافظة ، ولا يمكن للجنة لا تعرف عن أهميته وتاريخه شيئا أن تقرر وحدها مصيره ومستقبله ، أو تتعامل معه مثلما تعاملت مع غيره من عشرات المساجد الأقل في الأهمية والقيمة .
كما لم تضع الأوقاف تصورا واضحا لما سوف يتم بالمسجد بعد الإطاحة بقبته ومئذنتيه ، ولم تحدد جدولا زمنيا لتنفيذه ، أو تخصص ميزانية لتمويله .. فالأرض أرض الله ، والمال مال الله .. وهكذا تم بسرعة الطائرة النفاثة هدم قبة المسجد . هذه القبة التي يذكرها أهالي المدينة جيدا ، فقد كانت من الداخل تحفة فنية إسلامية مكتملة ، تأسر أنظار المترددين علي المسجد ، ولا يمل الناظر لها من التأمل فيها لهيئتها الجميلة وتكوينها البديع . وقامت الأوقاف بتدمير القبة رغم إمكانية ترميمها ، لأنها لا تشكل أي حمل خراساني علي مبني المسجد ، وتقوم علي أعمدة خراسانية مستقلة بها حسب آراء متخصصين آخرين لا تعترف بهم الأوقاف .
وبعد تدمير القبة بدأت الأوقاف في تدمير المئذنتين ، لكن بسرعة الطائرة الورقية . وهاتان المئذنتان الشامختان كانتا ملمحا أصيلا وبارزا من ملامح المدينة لعشرات السنين . وقامت الأوقاف بتدميرهما رغم إمكانية ترميمهما ، لأنهما منفصلتان عن مبني المسجد ، ومقامتان علي قواعد خراسانية مستقلة تتيح ترميمهم حسب آراء المتخصصين الذين لا تعترف بهم الأوقاف .
ومنذ بدأت الأوقاف عدوانها الغاشم لتدمير المسجد والمدينة تعاني من إغلاق مسجدها الكبير في صلواتها وجنازاتها . ولعشرات السنين كان المسجد الوجهة الأولي لأبناء المدينة في صلواتهم .. وفي جنازاتهم .. نظرا لاتساعه وتصميمه العمراني المميز وضخامته نسبيا بالمقارنة بمساجد المدينة الأخرى ، إضافة إلي وجوده في قلب المدينة بالقرب من نيلها وسوقها ومقابرها .. حتي قررت الأوقاف إغلاقه وتدميره فشردت أبناء المدينة بين المساجد أحياء وأموات !
ولا يبدو في الأفق القريب أو حتي البعيد أي مؤشرات لانتهاء واكتمال عملية ” التدمير ” التي تجري تحت عنوان ” الترميم ” . فرغم الانتهاء من تدمير القبة لم يتم الانتهاء حتي الآن من تدمير المئذنتين ، رغم مرور عامين تقريبا حتي الآن . وربما تري الأوقاف أنه لا داعي للعجلة ، فالعجلة من الشيطان ، ثم إن مسجد النصر ليس في أهمية شقة وزير الأوقاف ، المسئول الأول عما يجري بالمسجد الكبير بفارسكور .