كيف يسيطر رجال الاستثمار العقاري على الأرض والمقاعد
على ساحل المتوسط في محافظتنا دمياط، حيث تزدهر تجارة الأثاث وتتشكل حركة اقتصادية نشطة منذ عقود، برزت خلال العقدين الأخيرين ظاهرة لافتة للانتباه: مجموعة محدودة من رجال الأعمال، يُطلق عليهم محليا “الخمس الكبار”، نجحوا في فرض هيمنتهم الكاملة على قطاع الاستثمار العقاري، في مدينتنا الساحلية دمياط الجديدة ليشكلوا مع الوقت مراكز قوى مؤثرة ليس فقط في الاقتصاد، بل أيضا في الحياة السياسية النيابية بالمحافظة.
من المقاولات إلى….. الإمبراطوريات العقارية البداية كانت تقليدية، مجرد مقاولين ينفذون مشروعات بناء داخل المحافظة، لكن ذكاءهم الاستثماري دفعهم إلى ابتكار حيلة جديدة للسيطرة على الأراضي المخصصة للاستثمار الأجنبي من هيئة المجتمعات العمرانية ويمرون بمراحل التخصيص الرسمية طبقا للقواعد في وزارة الإسكان.
الخطة كانت بسيطة وفعالة: تأسيس شركات استثمار عقاري في دول الخليج – مثل الإمارات – بأسماء رجال أعمال من هذه الدول، بتكاليف رمزية، ثم التقدم بطلبات لهيئة المجتمعات العمرانية في مصر باعتبارهم “مستثمرين أجانب”. ووفقًا للقانون، يتمتع المستثمر العقاري الأجنبي بتسهيلات واسعة، أبرزها أحقية الحصول على أراضٍ بمقدم لا يتجاوز 5% من إجمالي القيمة بالتخصيص المباشر، مع فترة سماح تصل إلى عام كامل قبل الاستلام.
يتم بيع الأرض قبل وضع طوبة واحدة…..
وفي هذا العام “الذهبي”، يقوم المستثمر – الذي لا يعدو كونه واجهة قانونية – ببيع الأرض إلى أحد رجال الاستثمار العقاري في دمياط مقابل عشرات أضعاف الثمن الكلى، لتنتقل الأرض إلى مكتب استشاري هندسي بالقاهرة، حيث تُصمم على أنها منتجع سياحي أو كمبوند فاخر، ثم تُطرح الوحدات للبيع، ليبدأ ضخ المليارات. وهنا تبدأ رحلة الأرباح الفلكية.
المستثمر الخليجي يحصل على نسبة من عائد بيع الأرض، والمطور المحلي يُطلق المشروع قبل حتى أن تُصب الخرسانة الأولى، ليجمع أموالا ضخمة تُستخدم في توسيع النفوذ داخل وخارج دمياط من المال إلى السياسة الثروة الفاحشة التي حققها هؤلاء “الخمس الكبار” لم تتوقف عند حدود البيزنس. بل انتقلوا بها إلى الساحة السياسية النيابية، حيث توحدوا تحت مظلة أحد الأحزاب، الذي يشترط أن يكون أعضاؤه من “رجال المال”.
أصبحوا هم من يحددون أسماء النواب حتى في أي دورة نيابية وهم من يديرون الحملات والفعاليات الانتخابية بأموالهم، مما أعاد إلى الأذهان زمن “رجال الأعمال في البرلمان” في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وإن كانت عدد الحالات من هذه النوعية محدودة فالمشهد يتكرر: من دعم الصادرات إلى تسهيلات الاستثمار العقاري الأجنبي. ولعل التاريخ يعيد نفسه؛ ففي عهد الوزير رشيد محمد رشيد، صدر قرار بدعم الصادرات بنسبة من قيمة الشحنات المُصدّرة.
وهنا تكرر السيناريو: سيطر رجال أعمال دمياطيون على الميزة التصديرية، وبدأوا بتصدير كونتينرات شبه يومية، ليس من باب النمو الاقتصادي الحقيقي، بل لضمان حصولهم على الدعم المالي لتشجيع التصدير للمنتج المصري ..واليوم، نرى تكرار للفكرة، ولكن في صورة “الاستثمار العقاري الأجنبي” الذي أصبح بوابة خلفية للسيطرة على الأراضي التي خصصتها هيئة المجتمعات بأسعار مرنة، ثم تحويلها إلى مشروعات عملاقة تمولها أموال المواطنين الراغبين في السكن المميز أو الاستثمار…
سؤال للرأي العام من يملك القرار الحقيقي في اختيار نواب دمياط؟
هل هي جهات حزبية أم الناخبين أم جهات أخرى، أم الخمس الكبار الذين يملكون المال والسلطة؟ وأين يقف الناخب البسيط من هذه المنظومة؟ ربما حان الوقت لمراجعة شاملة لآليات تخصيص الأراضي وقواعد الاستثمار العقاري الأجنبي، حتى لا يتحول الذكاء الاستثماري إلى أبواب خلفية للثراء غير المشروع ونطرح سؤال آخر لماذا لم تكن هناك رقابة دقيقة لجلب العائد الذي يحصل علية الخمس الكبار ليدخل خزانة الدولة بدلا من جيوب الخمسة الذين باتوا يشترون بهذه الأموال كل شيء حتى المقاعد النيابية.
كاتب المقال رئيس مؤسسة دار الهلال السابق
المزيد للكاتب :مجدي سبلة يكتب.. (مرة أخرى نستكمل فصول روايةالمصلحةالتى لم تنتهي)