قراءة لغوية تربوية في نصائح لقمان القرآنية (5)
لا يزال الحديث موصولاً حول نصائح، وعظات لقمان ـ عليه السلام ـ لابنه، وقد أتى القرآن الكريم بين نصائحه والبر بالوالدين والعناية بهما، وحسن معاملتهما، وخصوصا الأم، حيث أفرد لها حديثا مستقلا بيانا لقدرها، وتوضيحا لمكانتها في الإسلام، فقال ـ جل جلاله:(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان 14 ـ 15).
وتوقفنا عند قوله- تعالى-:(أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير).
ثم تابع القرآن حكم الوالدين إذا حاولا أن يحملا ابنهما على الشرك، وأن يدخلاه في هذا المعترك الآسن، فذكر بوضوح حكم الوالدين إذا حملا ابنهما على الشرك، وبدأ بأسلوب الشرط المتصدر بإنْ الشرطية التي تفيد الشك، وعدم التأكد من الوقوع، ولم يستخدم إذا التي تفيد حتمية الوقوع واستمراره إيذانا منه بأن ذلك قليل، وفي حكم المستبعد المشكوك فيه بسبب حب الوالدين لأبنائهما، فقال:(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان ـ 15)، أي وإن بذلا معك كل جهد، وحاولا أن يثنياك عن الإيمان، والارتكان إلى الشرك، وعبادة غير الله مع الله، واستعملا أبوتهما، فكانا مستعليين طالبين سماع كلامهما.
والحرف (على) يفيد الاستعلاء، فكأنهما يتحدثان من عل؛ لكونهما والدين، يجب سماع كلامهما، وأنه أمسى فرضا واجبا، تستعمل معه (على) التي تفيد السيطرة، والفرض.
والفعل تشرك هنا جاء بعده حرف الجر الباء، وهو بمعنى (مع)، أي أن تشرك في عبادتك معي سواي من خلقي، أو من تلك الأصنام المزعومة المتخذة إلها من دون الله، و(ما) بمعنى الذي وهي مبهمة؛ لتبين إبهام المعبود من غير الله، وأنه غير واضح، وأنه في حكم الجماد الذي نستعمل معه (ما)، وليس (من)، وصلة الموصول( ليس لك به علم)، أي هو غامض، غير معلوم، ولا معروف، ولا يستحق العبادة، ولا تقديم الولاء له، تماما كإبهام (ما).
وجملة (ليس لك به علم) تبين أنه لا يستحق أن يعبد لأن الخلق لا يعرفونه، والإله الحق يعرِّف بنفسه، وينزل ملائكته وأنبياءه، ورسله، وكتبه، وتكون ثمة مظاهر كونية على وجوده، وقيوميته.
ويأتي الجواب سريعا واضحا، لا لبس فيه، أنصع من الشمس في سماها، ومن القمر إذا تلاها، ومن النهار إذا جلاها:(فلا تطعهما) حيث لا طاعة في معصية الخالق، وهنا تظهر قوة العقيدة، وأثرها في الحكم، حيث جاءت فصلا بين طاعة الله، وعدم طاعة الوالدين، لكن القرآن الكريم، والإسلام بشكل عام متوازن، حيث لا إفراط، ولا تفريط، وحيث لا قسوة، ولا تنكر، بل تقدير، واحترام، فمع أنه لا يطيعهما، ولا يستمع إلى شركهما، أو ينساق وراء طلبهما، إلا أنه يصاحبهما في الدنيا معروفا، أي لا يتركهما، ولا يتنكر لفضلهما، ولا يقاطعهما، وعليه أن يصاحبهما كما كان، وألا يبخل بمساعدة، ولا مال، ولا نصح لهما، وألا يتركهما كأنه لا يعرفهما، بل يصاحبهما، وينظر في حاجتهما، ويوفر لهما كل مطالبهما، ويعينهما، ويسعى عليهما.
بقلم/ الباحث محمد أحمد
الخميس١٧ابريل٢٠٢٥
كلية اللغات والترجمة – جامعة الأزهر