كبرت أنا، ولم تكبر معرفتي، كبرت أنا وما زلت جاهلا بكل شئ، كل ما حولي يوحي بأنني أجهل الكثير ولم أتعلم ،حتي تجربتي بالناس والحياة أراها دائما ناقصة، أحب الخير للناس جميعا لكل خلق الله، للإنسان في كل مكان مادام يتحلى بسمات الإنسانية، أندفع للخير اندفاعا وأجتهد في فعله، تقابلني عراقيل كثيرة، ذنبي أنني جئت في عصر التخبط ، أصبح عمل الخير فيه يحتاج لتقديم أدلةوبراهين وأصبح جرمي ومعصيتي وذنبي الكبير أنني أسعي في عمل الخير وأيسره. أصبح عمل الخير يجر علي الكثير من المكائد والأحقاد، لو توقفت عن عمل الخير لا يصدقني أهل الشر وإذا أقدمت علي الخير حاربوني، ولهذا أحس أنني في حرب دائمة، لقد تعبت وقطعت معظم مسافة عمري وأراني لم أحقق شيئا، حتي أحلامي الكبري لم أعد أتمسك بتحقيقها، حتي فقدت حلمي في أن أظل أحلم .
أحيانا أحس في نفسي بوجع كبير ،وثقل علي صدري عندما لا ينبت الخير الذي أزرعه خيرا، وأن الأرض الذي أنثر فيها هي أرض ميتة .
تقلص حلمي لدرجة أنني لم أعد أنشد غير الراحة والهدوء والأمان،أصبح العمل عبئا ثقيلا علي نفسي لأنني لم أعد أحس فيه بالأمان ،برغم أنني تركت لهم كل شئ، ولم أزاحم أحدا في شئ، ولم يبق معي إلا هذا الجهاز الصغير (الموبايل ) الذي اكتب عليه وأناملي ،إﻻاأنهم يشتتون جهدي ويستنفزون طاقتي في أشياء لا صلة لها بجودة العمل وتميزه، أصبحت مطالبا باستمرار أن أثبت صحة الصح وصواب الصواب .
أحيانا أتحسر علي نفسي لأنني لم أحصل شيئا ،في صغري كانت عندي أحلام كبيرة بكبر العمر الذي أمامي، والآن صغرت أحلامي بصغر ما تبقي من عمري،وعنف ما يقابلني من إحباطات .
كنت أأسس لعمل مدرسة علمية يكملها تلاميذي من بعدي،حتي لو رسخت معاني أخلاقية عامة، ولكن للأسف كل من يأتي يسارع في هدم من قبله، ولهذالم نتمكن من فعل شئ،أصبحنا نعيش يومابيوم كحياة العوام والبسطاء . حزين علي نفسي، حزين علي بلدي، حزين علي أبنائي وبناتي ،
فنفسي لا أدري أين مستقرها، وبلدي لا أحس أنني قدمت من أجلها شيئا له قيمة، أما أبنائي وبناتي فتركتهم في مهب الريح فلا واقع مريح ولا مستقبل يوحي بالأمل، كأني تركتهم في وسط البحر وكل يسبح حسب طاقته مع أن الشطآن راياتها سوداء .
مكتوب علينا أن نعمل في ظروف صعبة يجلد بعضنا بعضا، المهم أن نبدأ يومنا ونحن متسلحون له.وأن نوضع في مواجهة قلوب ميتة وخرسانات فاسدة .أتشبث بقيمي وثوابتي فهي شاطئي الذي أتوجه إليه ولكن أخشي أن تخونني يدي ورجلي .أصعب شئ أن تتخبط أيامك وأنت تنتظر اللاشئ، لم يعد في إمكاننا سوي أن نعيش لحظاتنا بدون أن نتعلم من تجاربنا كالعصافير .
أجر نفسي للقديم أتمسك بأجمل ما كان فيه برغم أنه لم يكن مثاليا، وكنت أهرب منه بحلمي. أتشبث بقميصي الذي ألبسه من أكثر من خمسة عشر عاما، فيه جزء من رائحة شبابي ، أتمني أن أفر به فقط فهو وحده يكفيني. أذهب إلى البحر أفضفض له فأجدني أنظر للبر أخاف عليه برغم أنه يعذبني ويجلدني .
أحيانا أفكر ماذا لو سقط اسمي الآن هل سيخسر العالم شيئا، هل سيتذكرني أحد بشئ له قيمه أم أنني سأرحل مثل كثيرين رحلوا مروا علي الدنيا مرور السحاب ولم يتركوا عينا ولا أثرا .
أحس بضعفي وقلة حيلتي وقلة زادي وقلة معرفتي وأنني لم أتعلم شيئا ، وكساد سوق بضاعتي .عشت عمري أبث الأمل في نفوس الناس، أصبحت الآن في حاجة لمن يبث في الأمل ويربت علي كتفي، كبرت وصغرت احتياجاتي، وأصبحت أبحث عن الحنان مثل الصغار
فوا أسفاه علي عمري
أستاذ دكتور أحمد فهمى عيسى
عميد كلية الآداب بدمياط سابقا